في ذكرى تحرير صيدا… سيبقى الحلم

معروف سعد
على الرغم من المطر الغزير الذي هطل مساء السبت 16 شباط 2019، لبّى عشرات من المناضلين الدعوة للاحتفال بالذكرى 34 لتحرير صيدا ومنطقتها من الاحتلاال الاسرائيلي وذلك في ساحة الشهداء وكالعادة منذعام 1986.

علق احد الاصدقاء على ضعف المشاركة بسبب الطقس اللعين، اعتقد ان هذا السبب ثانوي جدا. البحث يجب ان ينصب على جوانب أخرى. في شباط 1985 نزل الآلاف من المواطنين الى الشوارع للتعبير عن فرحهم وسرورهم لانسحاب المحتل الاسرائيلي، وتكررت المشاركة في الاعوام اللاحقة للاحتفال بهذه الذكرى الوطنية الغالية على قلوبنا.

كعادتي كل عام اكتب بهذه المناسبة، لكن هذا العام كنت مترددا، وماذا أكتب؟ كنت اكتب عن فرادة التجربة الوطنية في مقاومة الاحتلال في صيدا، وكيف بنيت وترابطت العلاقة بين السياسي والعسكري، وكيف استخدمت مختلف وسائل النضال، والتأكيد على وحدة الموقف السياسي للنسيج الاجتماعي في المنطقة. وكيف ان صيدا شكلت الاستثناء في الواقع اللبناني المنقسم عاموديا؟

اقرأ أيضاً: ذكرى تحرير صيدا: الاحتلال زال فهل الوطن باقٍ؟

ظهر السبت اتصل بي احد الأصدقاء يودّ رؤيتي مساء لامر ما. اعتذرت منه بسب مشاركتي الاحتفال بالتحرير. اجابني بالحرف الواحد: ما زلت تحتفل بهذه الذكرى؟

عادت بي الذاكرة سنوات الى الوراء، كنت في جلسة مع مجموعة من الشباب في “حلقة التنمية والحوار” نناقش امورا تتعلق بالحروب الاهلية التي عاشها الشعب اللبناني. معلومات الشباب كانت محدودة وجزئية ومبنية على وجهة نظر الاهل والبيئة المحيطة بهم. سألت عن الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة ومقاومة الناس له. صدمني احد الشباب بسؤاله: هل اسرائيل احتلت مدينة صيدا؟! للأسف الشاب كان من صيدا نفسها لكنه مولود في تسعينيات القرن الماضي…

في لقاء جمعنا مع بعض الشباب الناشطين في ضواحي مدينة صيدا، سألت الحاضرين عن ذكرى تحرير صيدا. اجابني احد الشباب: تعني عندما تحررت صيدا من القوات اللبنانية وتهجر المسيحيون من القرى المحيطة بصيدا؟ اصبت بصدمة، ماذا يحصل؟ اصبحنا في غربة عن تاريخنا!

قلة تتحدث عن التاريخ الوطني للمنطقة. معظم الناس يتحدث عن الانقسام المذهبي والنزاع ضمن اطار نظام المحاصصة الطائفي.

اقرأ أيضاً: في ذكرى تحرير صيدا.. الحلم الذي انكسر

في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كنا نتحدث عن الموقع الاستثنائي للمدينة في الوطن، يومها كان نظام المحاصصة ضمن النظام الطائفي قيد الترسيخ والبلد يتحول الى كونفدراليات طائفية. كنا نشدد على الدور التوحيدي للنسيج الاجتماعي للمدينة، لكن يبدو ان سرطان المحاصصة امتد الى نسيجها، وبدأت المدينة تتأقلم مع المحيط الطائفي المنقسم على نفسه، وبدأت الاصوات المذهبية تعلو لتتوازن مع اصوات مذهبية مواجهة لها،  وكل منها ترى وطنها اسير مذهبها والآخر هو العدو الذي يجب الغاءه، هذه الاصوات باتت تترسخ في المدينة وتجد من يؤمن الحماية لها. وصار التيار اللاطائفي الديموقراطي الوطني هو الاضعف،  فيما سادت تيارات المحاصصة، وباتت المناسبات الوطنية تمرّ من ثقب الباب بينما المناسبات المرتبطة بالطوائف تفتح لها الابواب.

اختم بسؤال: هل احتفلت مدرسة ما بهذه المناسبة الوطنية. واذا حصل شيء من هذا القبيل، ماذا قال المعلمون وماذا سأل التلامذة؟

الناس بدون تاريخ يجمعهم لا مستقبل امامهم سوى المزيد من الانقسام. لكن الحلم بالوحدة والديموقراطية سيبقى ولو بقي الوطن معلقا”.

السابق
وزير الإعلام اليمني يفضح متاجرة الحوثيين بـ«شعارات القدس»
التالي
حلقة نقاش… بدون نقاش