أغنية تعيش.. وفيديو كليب يموت!!

مع نهاية التسعينات كان التلفزيون يحقق انتشاره الاقصى عربياً عبر الفضائيات التي انطلقت من عواصم أوروبية وثم انتشرت في العواصم العربية، مع توجه عدد من القنوات المحلية للبحث عن مكان لها بين الفضائيات المتزايدة.

من عدد لا يتجاوز العشرين قناة على قمر النايل سات عام 1999 إلى أكثر من ألفي محطة عربية عام 2019، عقدان من النمو في البث الفضائي، فرض في المقابل تغير في طبيعة التلقي والمحتوى المرئي المسموع.

أول من تأثر في البث الفضائي كانت الأغنيات، فالموسيقى لغة قادرة على الانتشار دون حواجز وأسماء الفنانين تذكرة عبور من المشرق إلى المغرب، وكان الحديث عن دور بارز للمذياع والتلفزيون المحلي العابر للحدود والاسطوانات في التأسيس لعدة أجيال من المطربين والموسيقين، لتفرض لاحقا القنوات الفضائية دورها في ضبط الأغاني المصورة وما بات يعرف بـ”الفيديو كليب”، وهو عبارة عن مجموعة من اللقطات المصورة المتتالية التي يتراوح طولها بين الثلاثين ثانية والعشر دقائق، يقدّم من خلالها الفنان أغنيته بصرياً على شكل مشاهد درامية أو أداء غنائي أمام الكاميرا.

اقتحم الفيديو كليب يومياتنا، وخلال سنوات تواجده الأولى أخذ بالانتشار كالنار في الهشيم، حتى أنّ عددا كبيرا من الأغنيات اشتهرت عن طريق فيديوهاتها المصورة التي رسمت بدورها ذاكرة جيل عاش مراهقته وسنوات شبابه على أغانٍ مصورة دمجت الغناء بالمشاهد.

اقرا ايضا: إليسا نجمة مؤثرة… وبقوّة

وكأي سوقٍ تجاري، راح الفيديو كليب يتطور بين قنوات فضائية افتتحت لبثه، وأشكال متقدمة بات يأخذها من أساليب التصوير إلى طول المدة الزمنية، فضلاً عن موجات من التقليد لكليبات غربية شهيرة. إلا أنّ سوق الكليب صدّر مجموعة من المخرجين إلى الدراما والسينما كنادين لبكي ورندلا قديح وفادي حداد وغيرهم.

لقطات GIF

السؤال الأكبر اليوم، هل تراجع دور الأغنيات المصورة في التسويق لصالح ما بات يعرف بفيديو الكلمات “lyrics video” وهو عبارة عن صورة ثابتة أو لقطات GIF للفنان مترافقة مع كلمات الأغنية التي تظهر على الشاشة.

قالب وجده كثير من الفنانين الكبار مغرٍ لتسويق كافة أغنيات ألبوماتهم بتكلفة ضئيلة، في حين شكل فرصة للفنانين الشباب والمواهب في استعراض أصواتهم عبر فيديو بسيط لا يحتاج لمعدات هائلة وإمكانيات مادية ضخمة. كما أن قواعد المشاهدة على اليوتيوب فرضت نفسها على طبيعة الفيديوهات فمن مشاهد يتابع الشاشة بكامل حواسه وتركيزه إلى مستمع على يوتيوب يشغل الموسيقى ويلتفت إلى عمل آخر. كما أنّ زمن التفاضل بين الأغنية المصورة من غير المصورة قد انتهى، فبعد سنوات من قناعة راودت النجوم أن الأغنية التي لا تحظى بفرصة الفيديو كليب هي أغنية شبه ميتة تحتاج للكثير من عمليات الإنعاش وسط عدم قدرة شركات الإنتاج على تصوير كافة الأغنيات، تحولت القناعة بفضل الإنترنت إلى صيغة جديدة تقوم على فرصة متوازنة بين جميع الأغنيات في الظهور والانتشار، خاصة بعد تراجع نسب الإنتاج من ألبوم كامل كل عام للفنان إلى ألبوم كل عدة سنوات أو أغنية مفردة ٍ”سنغل” كل عدة أشهر.

من ناحية ثانية، شكّل الفيديو كليب في الأعوام القليلة الماضية مساحة لدى نجوم الصف الأول لعرض نمط حياة البذخ التي يعيشونها، أو لإيصال رسالة اجتماعية عبر الكليب أو العمل على الإبهار في التصوير بمناطق سياحية غنية التفاصيل لربط كلمات الأغنية بحالة ساحرة.

وهذا ما زاد في المحصلة من تراكم عدد الأغنيات التي باتت متوفرة على تطبيقات الاستماع في الهواتف المحمولة على حساب عدد الأغنيات المصورة على طريقة الفيديو كليب، ما يعني بدوره قلب القول المتعارف عليه من “أغنية تموت.. فيديوكليب يعيش” إلى “فيديو كليب يموت وأغنية تعيش” وربما هذا يحمل في طياته بعض الأمل في عودة الأذن الذواقة للاستماع، مانحة بدورها الفرصة في بعض الأحيان إلى المفاضلة العادلة بين الأغنية الجيدة موسيقياً وتلك الرديئة، وإن كانت هذه العملية متعثرة في ظل السوق التجاري الواسع لليوتيوب الذي يتحكم في عرض اقتراحات المشاهدة للمتابعين بحسب خوارزميات قوائمها الأكبر حسب القيمة النقدية بدل القيمة الموسيقية!!

السابق
الحريري عن مصافحته لبشار الأسد: ذبحت شخصياً (فيديو)
التالي
14 عاماً على استشهاد رفيق الحريري..هل نالوا من لبنان؟