ذكرى جبران تويني الذي حوّل الصحافة إلى مختبر للقرار السياسي

جبران توين
في صباح الاثنين 12/12/2005، استفاق اللبنانيون على خبر تفجير، كان في تلك المرحلة خبراً متوقعاً بشكل يومي، الكل كان يعلم أن المستهدف سيكون أحد رموز "ثورة الأرز"، فكان المستهدف جبران تويني، أحد رموز الثورة، وأهم رموز أقلامها الصحافية.

عاد جبران تويني إلى بيروت قبيل ساعات من التفجير، رغم يقينه بأنه مستهدف، وكان قد قال في أشهره الأخيرة للقتلة “لماذا لا تستهدفونا نحن؟ نحن من نتعاطى السياسة، لماذا تهربون ولا تواجهون؟، وشدد على أن “كل إرهاب جبان”.

آمن جبران أن الشعب اللبناني أقوى من أي إرهاب، وقال “قد يدفع أحد منا ثمن ذلك، وإن شاءالله نحنا مش غيرنا”، وآمن أيضاً بأن “مستقبل لبنان مشع، ولا مكان للأنظمة القامعة والإرهابية بيننا”.

رثا جبران زميله الصحفي سمير قصير، ومشى في جنازته رافعاً قلماً بوجه المتفجرات، ورثا جورج حاوي، والرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أطلق بعد شهر من رحيله قسمه الشهير في يوم 14 آذار، وعاد الصحافية مي شدياق خلال رحلة علاجها بعد محاولة إغتيالها، وأتى بعدها ليدفع الثمن الذي تمناه لشخصه بدلاً عن غيره، ورحل جبران.

اقرأ أيضاً: جبران تويني.. معه اغتيلت الصحافة اللبنانية

في ذكرى رحيله ال13، استذكر النائب السابق غازي العريضي جبران، وقال في حديث لجنوبية إن “جبران هو شهيد الحرية والكلمة الحرة، شهيد الصحافة الحرة والموقف الشجاع”، وهو اغتيل لكونه يتمتع بهذه الشخصية الاستثنائية، والسبب الأساس لاغتياله أيضاً، كونه رئيس تحرير صحيفة النهار، فهم استهدفوا المؤسسة باستمراريتها، وأصابوا الراحل غسان تويني آنذاك في أدق مكان في قلبه وعقله وتاريخه ومستقبل ما يمثل.

غازي العريضي

وأردف: “أصابوا الصحيفة، فجبران شاب يرأس هذا المشروع الكبير والمؤسسة الكبيرة التي منها انطلقت قرارات سياسية كبيرة، حيث كان يجتمع قادة الفكر والسياسة، ولاحقاً ضمت رموز ثورة 14 آذار وتلك النهضة والانتفاضة الكبرى التي حصلت إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.

واعتبر أنه ليس قليلاً أن تخسر النهار وهي في عز انطلاقتها، ديكها الشاب الصداح، فهذا الأمر انعكس بشكل كبير على الجريدة وعلى الصحافة عموماً، ولكن إرادة الإستمرار لدى إبنتيه نايلة وميشيل، تعبر عن فكر جبران وعقله وإرادته ومشروعه.

وعن الوضع الصحفي بين فترة جبران واليوم، قال العريضي: “دائماً صاحب الكلمة الحرة والشجاعة، والذي يتميز بكاريزما وحضور في معارك من هذا النوع هو مستهدف، فاستهدفت زميلتنا مي شدياق قبل جبران لكونها تتميز بالشجاعة ولأنها عبرت بقوة عن آرائها، وسيبقى إستهداف هذا النوع من الشخصيات حاضراً نظراً لتأثيره في المجتمع”.

أين كان سيقف جبران لو كان موجوداً اليوم؟

في هذا الشأن، قال العريضي إن تحديد موقف جبران اليوم يدخل في إطار الفرضيات، فالكثيرون في تلك الحركة أخفقوا وأساؤوا الإدارة في التعاطي مع قضية نبيلة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ولكن في ما يخص الصحيفة فأعتقد أن الأمور كانت ستكون مختلفة”.

ما مدى قدرتنا على تطبيق قسم جبران؟

أكد العريضي أننا وللأسف نحتاج إلى وقت طويل لتطبيق قسم جبران، لأن الانقسام والتشرذم في البلد على أساس مذهبي أخطر من كونه أساس طائفي، فنحن أمام انقسامات طائفية ومذهبية وفئوية، وهذه الانقسامات لا تبنى على مشاريع سياسية جامعة.

وقال: “لنكمل الثورة علينا أن نتعاطى معاً كوطنيين، وكمؤمنين بالدولة المدنية في لبنان، وألا نذهب بأي اتجاه طائفي أو مذهبي، وألا ننظر إلى الطوائف ككتل بشرية جامدة، لأن الصحيح هو أن في كل الطوائف ثمة توجهات مختلفة تماماً عن المسارات السياسية التي تتحكم بالقرار اليوم”.

زمن جبران الصحافي

إستذكر الصحافي في تلفزيون العربي علي رباح، الذي درس الإعلام في زمن جبران، وتخرج عام اغتيال جبران، المرحلة السابقة في ما يخص المهنة، فقال في حديث لجنوبية “اغتيل جبران تويني وسمير قصير في العام نفسه. خسرت النهار في عام واحد كاتبَين ومدافعَين عن لبنان بوجه جيش الوصاية السوري ونظامه الديكتاتوري، وإن كان لكلٍ منهما قناعاته وأسلوبه”.

وأضاف:”كان ذلك الزمن زمن المواجهة لتحرير لبنان من الهيمنة السورية. والمواجهة السياسية السلمية ما كانت لتتم من دون صحافة. كان للصحافة وهجا. وكانت تلعب دورا تأثيريا في القضايا المصيرية، وإلا لماذا تم اغتيالهما وغيرهما من الصحافيين؟!”.

اقرأ أيضاً: جبران التويني الغائب الحاضر بأفكاره وآراءه

وأردف: “كان جبران تويني ملهما للكثير من الشبان والشابات القادمين إلى عالم الصحافة. كان شرسا في مواقفه المدافعة عن البلد في عز هيمنة الوصاية السورية والنظام الأمني. والنظام الأمني كان يعني يومها قمع حرية الرأي واستدعاء الصحافيين ومحاولة اسكات الصوت والقلم”.

نتطلع جميعاً في ذكرى السياسي والصحافي جبران، الى استعادة الدور الذي يصوب السياسة صحفياً لخدمة القضايا المحقة، وخدمة الثورات النبيلة، وبنية الوصول لإنقاذ ما تبقى من دولة الديمقراطية والحرية، والمضي قدماً نحو مجتمع أصح وأرقى، بعبداً عن مجتمع القمع والقتل والانهيار على كافة الصعد.

في الختام لا يبقى إلا أن نوجه تحية إلى روح جبران ورفاقه الذين سقطوا دفاعا عن هذه القيم الكبرى والجامعة.

السابق
«خان الافرنج».. لمحة تاريخية
التالي
المتحدث باسم قوات اليونيفيل لإسرائيل: نحن نقوم بدورنا ولا نتجاوزه