نِداءٌ إلى الرئيس ماكرون من مُنتَدَب سَابِق

ماكرون

أنا مُواطِنٌ منتَدَبٌ سَابِق.أَتقَنتُ الفرنسيّةَ وحلَلتُ كلَّ أُحجِياتِ قواعِدِها.حصدتُ أعلى العلامات في وصفِ مأساة جان ڤال جان .بَكَيتُ ليوبولدين إبنَة فيكتور هوغو وحقَدتُ على نهرِ السين طويلاً.حفظتُ المارسيّيز عن ظهر قلب. يومها كنّا ننشِدُ النَّشيدَين.حاوَل وديع صبرا ورشيد نخلِه إقناعَنا ب”كلُّنا للوَطَن”. كَانَت المارسيّيز وقِحة. كانَ النشيد اللبناني مُصاباً بِعِقدَةِ انطِواء.
كلُّ ما في ذاكِرَتِنا سيّدي الرئيس فرنسيٌّ. كلُّ ما في أقبيَةِ نَبيذِنا فرنسي. كلُّ حوانيتِنا تبيعُ جُبنَةَ الرّوكفور وكلُّ ما في شوارِع عاصِمَتِنا يشبِهُ جنرالاً فرنسياً.
“مونو” و”غورو” و”ويغان” و”كليمنصو” و”فوش” و”اللنبي” و”سبيرز” على سَبِيلِ المثال لا الحصر.

اقرأ أيضاً: ما أشبه اليوم بالبارحة!

سيّدي الرئيس،
أنا مُواطِنٌ مُصابٌ بِخِيانةٍ عُظْمَى وأطالِب بدولَة تنتَدِبُنا.
أتّهِمُ بلادَكُم أنها خرَجَت من لبنان ولَم تَعُد. سأقاضيكُم بِدَعوى هَجر.لا يُترَكُ وطنٌ قاصِرٌ دون أولياءِ أمرِه.أنا أتّهِمُ فرنسا بأمومتِها وأشكّكُ فيها. الأمُّ الحَنون لا تتركُ دولَةً تخرجُ الى العَلَن قبل أن تتعلّمَ المشي. لقد تعِبَت بلادُكُم من صراخِ بلادي فتَرَكتها.أنا أقاضي فرنسا لأنها ترَكَت وطناً تبّنتهُ في سايكس بيكو ثمَّ رَمَتهُ في سلّةٍ من قشٍّ أمامَ مياتِمِ العالَم العربي.
منذ خمسٍ وسَبعينَ سنةً كَبُرَت بلادي.تضَّخَمَت مثلُ حبَّةٍ مقلوبة. مثلُ وَرَمٍ تحتَ جلدِ الإنتماء.لبِسَت بلادي ألفَ بزّةٍ عسكريّة .أتقَنَت مئةَ ألف نشيد من المحيط الى الخليج. رَفَعَت خمسينَ ألف عَلَم.حلَفَت بحياة عشرات الزعماء ولَم يَسلَم من طقوسِ عبادتها لكلامِ الغريب وحِذاءِ الْغَرِيب إلا الخمير الحُمر في كمبوديا.
سيّدي الرئيس،
نظّمتُم لنا حلَبَة لصراعِ الديوكِ الطائفيّة. حَجَبتُم دولَتَكُم المدنيّة عن دولَتِنا. تركتُم بلادي رَضيعَةً تشربُ حليبَ السِّباع ثمَّ تقتُلُ مَن أرضَعَها.
أعِدِ انتِدابَكَ على تفاهَتِنا. كلّ ما تعلّمنا كتابَتَه هو دستورُ السَّرِقَة. إصلاحُنا مستَحيلٌ دُونَ تَذويبِنا في أسيدِ النّدَم مئةَ سنة.أدخُل بلادَنا آمِناً ومعك ” روبيسبيير”
و”روسو” و”دالوز” و”دو ڤيرجيه” و”لاڤوازييه” و”ديكارت” و”بيار لاروس” واحكُمنا بأي جزمةٍ ، بأيِّ بندقيّة بو فتيل وبأيِّ قديس فرنسي مستَورَد.
قديسونا يا سيّدي الرئيس خرجوا من الأيقونة وجلسوا على الكرسي.رَشَحوا زَيتاً في كنائسِ سذاجَتِنا وعملات صعبَة في خزناتِ البنوك الأجنبيّة.
سيّدي الرئيس،
كما سَبَقَ وأسلَفت.أنا مُواطِنٌ مُصاب بِخِيانة وطنيّة وأتقدّم بإخبارٍ للنيابَة العامّة متّهِماً نفسي برغبة انتدابٍ تَجتاحُني.
حُكّامُنا وحوشٌ ضارِية وأرغبُ بوحشٍ يرفِقُ بي ويذكّرني بقولٍ لشخصيةٍ وطنيّةٍ أفنَت عمرَها في مقارَعةِ الإنتِداب وهي فخري البارودي الذي ما زلتُ أُخرِجُهُ بين الفينة والفينة من نمليَّةِ استيائي وأسمعهُ يقول:
“اشتموا معي كلَّ من ضربَ حجراً في وجه المستعمر بعد أن أوصلنا الوطنَ في عهدِ الاستقلال إلى هذه الحال”.

السابق
مهرجان لبنان الوطني للمسرح يطلق دورته الأولى
التالي
ميسون كفرناحوم لا زالت على الطريق