لاجئون سوريون يعانون في إيطاليا ولكن… «نعيش بكرامة»

اللاجئين السوريين
منذ بدء الأحداث في سورية عام 2011 لجأ ملايين السوريين إلى خارج حدود بلادهم خوفاعلى أرواحهم، في حين لم تكن إيطاليا يوماً هدفاً لاستقرار اللاجئين السوريين الذين توجهوا إلى بلدان أوروبية أخرى بأشكال مختلفة، قانونية وغير قانونية.

وتقدر إحدى الناشطات السوريات وهي مقيمة في إيطاليا عدد اللاجئين السوريين المقيمين فيها بعدد لا يتجاوز الـ2400، وتقول: “أن اللاجئين ينظرون إلى إيطاليا بصفتها ممراً وليس مقراً، لذلك يحاولون بعد فترة من الإقامة الانتقال إلى بلدان أوروبية أخرى للعمل والاستقرار”.

وتضيف: “وعلى الرغم من كل الصعوبات فإنك نادراً ما تلتقي عائلة سورية تنوي العودة إلى الوطن حتى لو استقر الوضع الأمني هناك”.

يروي أبو زهير (38 عاماً) قصة لجوئه إلى إيطاليا بالآتي: في بداية عام 2012 اضطررت مع زوجتي وابنتي الصغيرة الى مغادرة سورية بعد موجة الاعتقالات الواسعة والقمع الشديد الذي واجه به النظام الناشطين من السوريين، توجهت إلى ليبيا حيث مكثت إلى حين لجوئي إلى إيطاليا في مطلع عام 2018″.

اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون… بين مطرقة التوطين وسندان القوانين الدولية

ويصف أبو زهير أول سنتين من لجوئه إلى ليبيا بأنهما كانتا سنتان جيدتان، “استقريت في ليبيا ومارست عملي كميكانيكي وخراطة ميكانيك كانت الحياة مستقرة وطبيعية إلى حين اندلعت الحرب هناك وبدأت أنتقل مع عائلتي من مدينة إلى أخرى. فقدمت الأوراق الثبوتية، ولم أستطع الحصول على بديل عنها وأنا أصلاً لا أستطيع الاتصال بأية سفارة سورية”.

يصمت لحظات قبل أن يكمل حديثه: “درست الأمر ملياً وأخذت قراري، لا حل أمامي سوى التوجه إلى أوروبا. استقريت في بنغازي وتواصلت لمدة ثلاثة أشهر مع المهربين منذ بداية شهر آب 2017 وحتى نهاية تشرين الأول 2017. وعند الساعة الواحدة من فجر الأول من تشرين الثاني 2017 انطلقت رحلتنا، كنا 45 شخصاً من أطفال ونساء ورجال في قارب خشبي لا يتجاوز طوله 7 أمتار انطلقنا من شاطئ مدينة كربلي باتجاه إيطاليا، بقينا 16 ساعة في بحر مرتفع الموج مرعب كان يتلاعب بالقارب، وتعرضنا للموت أكثر من ست مرات حتى عثرت علينا سفينة إيطالية وصلت إلينا في آخر لحظة”. يتوقف عن الكلام وكأنه يتذكر شيئاً فاته ويضيف: “أذكر أني لمحت السفينة الإيطالية عند الصباح، كانت تلحق بنا من مكان إلى آخر ولم تقترب من القارب إلا بعد أن كنا على مقربة من فقدان الأمل بالحياة”.

ويزيد: “نجاتنا ووصولنا إلى الأراضي الإيطالية أنستنا المبالغ الطائلة التي دفعناها للمهربين، وما تعرضنا له من نصب واحتيال، لقد دفعت نحو 11 ألف دولار حتى وصلت إلى إيطاليا”.

يصف أبو زهير الإيطاليين بالشعب اللطيف، “لقد استقبلونا بكل احترام كانوا يقدمون لنا وجبة واحدة يومياً، وأجرت طبيبة مصرية تتحدث الإيطالية كشفاً صحياً وأخذت منا معلومات سطحية وعامة عن وضعنا الصحي، وذلك قبل نزولنا إلى البر في مدينة “ريجيو كرابيا”، تلك الليلة كانت مرعبة، كان الطقس بارد اجداً. على المرفأ كانت جمعيات حقوق الإنسان باستقبالنا – اهتموا كثيراً بالأطفال وأجروا لنا فحصاً طبياً سريرياً ثم نقلونا إلى مركز لإجراء بصمة إجبارية، قلت لهم أني أريد الذهاب إلى مكان آخر، لكنهم أجبرونا على البصم وكان أحد الأشخاص العرب من شمال إفريقيا الذي يعمل كمترجم هو الوحيد الذي عاملنا بشكل سيء، ومن أجله كرهت كل العرب”.

ويضيف: عند السادسة مساء ركبنا باصاً وتوجه بنا شمالاً من دون أن نعرف وجهته، وعند السؤال لم نجد جواباً لذلك. كنا نرتاح كل 3 ساعات، وبعد استراحتنا أخبرنا السائق أننا نتوجه إلى تورينو وبقينا في الباص 15 ساعة. وطوال الرحلة كنت أرتجف برداً، كنت أرتدي سروالاً قصيراً فقط. وبعد وصولنا إلى المخيم وزعوا علينا لباساً للنوم وعشت مع عائلتي في غرفة واحدة لمدة 16 يوماً، الوضع كان جيداً حتى أتت مندوبة الجمعية واسمها باولا ومعها شخص إيطالي اسمه البيرو وشخص أفريقي يعمل كمترجم لكنه لا يحسن اللغة العربية أبداً وأحضرونا إلى هذا المنزل.

يقف أبو زهير في محاولة لوصف المنزل الجديد بيديه: “المنزل يحوي غرفتين إنه مقبول وكان مسكوناً سابقاً، لكن بقينا أياماً بدون كهرباء بسبب عطل، أيضاً الغسالة لا تعمل وبعد شهر صلّحوا الغسالة وبقينا بدون غاز لمدة عشرة أيام. لكن المدارس كانت جاهزة فوراً لكل أفراد العائلة”.

وبوجود مترجمة سورية، وقع أبو زهير على اتفاقية مع الجمعية الإنسانية الراعية لعائلته وتقضي الاتفاقية بأن يتقاضى 7.5 يورو يومياً وكذلك زوجته بالإضافة إلى 100 يورو أسبوعياً للأكل والشرب للعائلة بأكملها.

يوضح أبو زهير: فوجئت بذلك، غيرنا كان يتقاضى أكثر منا ولم أسمع جواباً لسؤالي، أحضروا لنا ثياباً مستعملة وعلينا دفع مبلغ 15 يورو كل 20 يوماً من أجل wifi وبدون تأمين عمل، وعند السؤال يأتيك الجواب: الجمعية صغيرة وإمكانياتها ضعيفة. حتماً المشكلات كثيرة لكن نحاول إقناع أنفسنا أنهم أنقذونا من الموت، لكن هناك تعب نفسي. صحيح أن الطب مجاني، ولكن علينا الانتظار إذا طلب منا إجراء تحاليل مخبرية. ما تحصل عليه قليل جداً، أبحث عن عمل ولا أجد، أفكر وأقول لنفسي: الذي خططت له كان مجرد سراب. عندما أطلب من المشرفة تأمين ثياب لي تجيبني: اشتري على حسابك. وفي السوبرماركت ممنوع شراء الحلويات للأولاد. أحياناً أشتري بمبالغ تفوق الـ100 يورو أسبوعياً وتحاول المشرفة أن تخفف من مشترياتي ولكن أعرف أنها لا تملك حلولاً”.

اقرأ أيضاً: لماذا ترفض روسيا خطّة الإتحاد الأوروبي لعودة اللاجئين السوريين؟

وعن المستقبل يوضح أبو زهير: بالنسبة لي المستقبل غامض، لا أعرف شيئاً ربما أجد نفسي على الشارع، أنا محتار، لا أمل ولا مستقبل أنا وأسرتي نسير نحو المجهول وأحياناً أندم على الخطوة التي أقدمت عليها باللجوء من ليبيا إلى إيطاليا.

وعن علاقته بالشعب الإيطالي يبتسم ابتسامة عريضة ويقول: إنه شعب رائع، شعب جيد، جيراننا جيدون ليسوا عنصريين أو عدوانيين، كذلك لا مشكلة مع السلطات لم أتعرض لأي مشكلة. تجدهم متعاونين في إنجاز الإجراءات معي. مثلي مثل الجميع والموظفين طبيعيين. ولكن أريد، أما تأمين عمل أو ترحيل إلى بلد آخر، كي أستطيع تأمين مستقبل للأولاد، كي لا أصل إلى مرحلة الانتحار. أعرف أن نسبة البطالة عالية في إيطاليا لذلك أطالب الاتحاد الأوروبي تأمين توطيننا في دول أخرى بحاجة إلى يد عاملة.

وحول إمكانية العودة إلى الوطن، يعلق أبو زهير: مهما كان المستقبل مجهولاً ولا نعرف عنه شيئاً ولكن يكفي أننا نعيش بحرية وكرامة، عمري 38 عاماً نادم لأني قضيتها في دول عربية، لا رجعة لي مهما كانت الظروف، أترك الوطن لمن يحكمه ويسيطر عليه.

السابق
استمرار الاستعصاء السياسي يدفع لبنان إلى هاوية الإفلاس
التالي
إبراهيم الحريري: المزارع يرزح تحت الديون والمطلوب سياسة وطنية مستدامة