سيرةُ حسين مروّة كما أرادها أن تُكتب

حسين مروة
"سيرةُ حسين مروّة كما أرادها أن تُكتب"، بعنوانها الفرعي هذا، وبعنوانها الرئيس: "وُلدت رجلاً... وأموت طفلاً"، ظهرت، حديثاً، بين دفّتي سِفْرٍ ضخمٍ (قوامه 838 صفحة من القطْع الكبير. وهي من إعداد وتقديم (تمهيد) نجله أحمد ح. مروّة، ومن منشورات "دار الفارابي" في بيروت، في طبعة أولى: أيلول 2018.

وقد جاءت محتويات هذا السِّفر مقسَّمة على مرحلتين اثنتين: الأولى موزّعة على خمسة أقسام: القسم الأوّل هو تحت عنوان: “البداية… والحُلُم 1326هـ = 1908 م – 1924 م (1 – الشيخ علي مروّة؛ 2 – حسين مروّة”؛ والقسم الثاني يحمل عنوان: “السَّفَر نحو الحُلُم 1924 م – نهاية حزيران 1929 م (مرحلة النّجف)؛ و”الانقطاع عن النّجف” هو عنوان القسم الثالث؛ على أن “العودة الأخيرة… إلى النّجف”، هو عنوان القِسم الرابع؛ أما القسم الخامس والأخير في هذه المرحلة الأولى، فهو يحمل عنوان: “طلاق العِمامة والحياة الجديدة”.

أما المرحلة الثانية فهي تتألف من ستّة أقسام: والقسم الأوّل هو بعنوان: “العودة إلى لبنان حزيران 1944 – شباط 1955″؛ والقسم الثاني: موسوم بـ: “مرحلة التأسيس لدراسة التّراث العربي آذار 1955 – نهاية 1959″؛ والقسم الثالث: محدّد بـ: “1960 – 1969″؛ والقسم الرابع: محدّد بـ: “1970 – 1979″؛ و”1980 – 1983″ هو تحديد القسم الخامس؛ و”1984 – 1987” هو تحديد القسم السادس. ثم يلي ذلك “ملاحق الكتاب”.

اقرأ أيضاً: «حكاية الرّجل الذي أحبَّ الكناري» للراحل بسام حجّار

ومما جاء في نصّ التمهيد: من أعزّ أمنيات أبي نزار، أن يكتبَ سيرتَه بنفسه. ففي حوار أجرته معه مجلة “الخليج” في 13/11/1981، أجاب أبو نزار في نهاية الحوار عن سؤال حول المشاريع الجديدة: في ذهني مشروع أتمنى من كلّ قلبي أن أستطيع إنجازه، وهو مشروع رواية أو قل سيرة ذاتية عنوانها (وُلِدتُ شيخاً وأموت طفلاً).

كانت هذه الأمنية تُلِحّ عليه دوماً، ولكنّ الوقت الذي كان سيصرفه في تنفيذ الأمنية، سيُعيقُه عن الاهتمام بتدوين أفكاره المتزاحمة في ذهنه المتوقّد، والتي تُلِحُّ عليه أكثر من تلك الأمنية العزيزة، فلا بُدّ من أن يُؤثّر اهتمامه بما يريد أن ينجزه لتدوين هذه الأفكار وخصوصاً: الجزء الثالث من سِفره “النزعات المادية في الفلسفة العربية/ الإسلامية”. وكان الوهن قد دبَّ في قواه البدنية إثر ظهور مرض “الباركنسون” الذي بدأ يفقده السيطرة على الإمساك بالقلم، وغدا سيره في خطوات بطيئة، وأمسى صوته خفيضاً متهدِّجاً لا يُكاد يُسمع وكذا سمعُهُ أيضاً.

حسين مروة

في صباح يوم السابع عشر من شباط، عام 1987، أخبر ابنته هناء (كانت تسكن الطابق الثالث فوق سكنه في الطابق الثاني من المبنى عينه): أنه أخذ القرار الحاسم في الشروع بإنجاز القسم الثالث من سِفره، على أن يبدأ بالإملاء عليها وهي تدوِّن ما يمليه على الورق. ولكن في عصرذاك اليوم نفسه، السابع عشر من شباط، دخل عليه المجرم الجبان ليطلق رصاصته الحاقدة عليه أمام زوجته، ويوقف استكمال مسار هذا العمل الفذ.

منذ سنتين أو أكثر قليلاً خطرت ببالي أن أقوم بتدوين سيرة أبي نزار اعتماداً على ما أذكره من حكايات أبي نزار وأم نزار، ومن ذكرياتي أنا منذ بدأت أعي ما يجري أمامي من أحداث كثيرة مرّت في حياتنا في العراق ولبنان بعد عودتنا عام 1949، والتقيت عدداً كبيراً من الأقارب الذين دُهِشت من إبداء محبتهم وتفانيهم أمام أبي نزار وأم نزار وأبنائهما. لم أكن قد اعتدت على كل هذا القدر الهائل الذي أُغدق علينا من الحبّ والعاطفة النبيلة، بالإضافة إلى الأصدقاء الذين بدأوا يتكاثرون ويزدادون باطراد ويتقاطرون على بيتنا (بيت حسين مروّة) ولا أستغرب الكلام الذي سجّلوه أم سطّره أبو نزار عن حبّه للناس وحبهم له ولعائلته.

بدأتُ إذن تدوين كل ما يخطر ببالي وما أقرأه وأشاهده وأسمعه. فقد قرأتُ كل ما كُتِب عن حسين مروّة، وخصوصاً الحوارات التي أجراها محمد أبي سمرا والشاعر الصديق عباس بيضون وغيرهما. وقد علمتُ أن الدكتور أحمد علبي (سَمّي بالإسم والكنية – أبو عمّار -) قد حاور أبا نزار، مسجِّلاً هذا الحوار في شرائط (كاسيت) يفوق عددها العشرة، وقد أطلعني الدكتور علبي العزيز على خمسة منها، وأعترف بصدق وأمانة أن معظم هذه الحوارا ت التي قرأتها، أعرفها كلها، وأعترف أن أبا نزار يخطئ في بعض معلوماتها من حيث التاريخ أو الأحداث وقد صححتُ، هذه الأخطاء لكوني أذكرها جيداً ولا أقصد تلك التي وردت في حوار الدكتور علبي بل في الحوارات مع غيره، وبعد نشرها كنت أناقش والدي وأصحح له هذه المعلومات فيستعيد ذاكرته، ويوافق على ما أذكره له.

أحتفظ لنفسي ببعض مآخذي على طريقة الحوارات التي اتبعها بعض المحاورين حيث كانوا يفتقدون في الدرجة الأولى إلى تسلسل الأحداث من دون وضعها في زمن حدوثها، ولكني أقدّم شكري واحترامي وتقديري للجميع.

اقرأ أيضاً: «مُفْرَدٌ بصيغة الجمع» لأدونيس على مشرحة «جرحُ المعنى» لخالدة سعيد

هنالك أمر هام أودُّ أن أذكره وأقدم الشكر الكبير فيه لشقيقتي الحبيبة هناء (أم كريم) على كشفها رسائل وجدتها بعد وفاة أمّ نزار، وكانت في مخبأ من خزانتها، ملفوفة بقطعة قماش ومعقودة بربطة من قماش آخر بشكل محكم. وقدمت لي أمّ كريم هذا الكنز الثمين الذي يحتوي على ما يزيد على الثمانين رسالة من أبي نزار إلى أمّ نزار قبل الزواج وبعده، فكانت عوناً هاماً لوضع السيرة في تسلسل تاريخي بالنسبة لما سأُدوِّنه.

وأخيراً هذه هي السيرة أمام القارئ، وأملي أن أكون قد قمت بواجبي نحو والدي أبي نزار، وأنني كنتُ أميناً وصادقاً في عرض هذه السيرة، وأتمنى أن تلاقي الصدى الحسن في نفوس القراء… والخلود للشهيد حسين مروّة.

السابق
فيصل كرامي لجنبلاط عبر تويتر «عمتتهضمن يا بيك»
التالي
زياد الرحباني يرفض التعامل مع نجوى كرم وينتقد صوت اصالة!