رسالة مفتوحة إلى منال قرطام: حَيَّ على مزيدٍ من «التَّطْبيع» اللبناني/الفلسطيني

هذه الرسالة المفتوحة، شأن الرسائل التي سَبَقَتْها، تندرج في إطار البرنامج التوثيقي/البحثي «لبنان في لاجئيه: على الرحب والسعة؟» الذي تنفذه أمم للتوثيق والأبحاث بدعم من «معهد العلاقات الثقافية الخارجية الألماني» (إيفا).

العزيزة منال قرطام ــ

بمناسبة الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدها لبنان في أيار 2018، (وهي انتخابات، كما تعلمين، تأخرت عن موعدها الدستوري 6 سنوات!)، بادَرْتِ إلى أمر لم ينل القسط الذي يستحق من التوقف عنده ومن النقاش فيه ــ بادرت إلى الترشح عن «المقعد الفلسطيني في دائرة بيروت الثالثة» ــ وهو، للتذكير، مقعد لا يوجد في دائرة لا توجد.

بدأ ترشحك افتراضِيًّا على صفحات التواصل الاجتماعي، ثُمَّ مَضَيْتِ فيهِ قدمًا وأدرته، أنت وزملاؤك، كما يليق بـ«حملة مدافعة» أن تُدار، فحاكيت أعمال المرشح (ـة) الحقيقي بأنْ استنسخت ملصقات تَمْثُلُ عليها صورة لك، (معية كلبك!)، وعقدت مؤتمرًا صحافيًّا في أحد فنادق العاصمة شرحت فيه أهداف ترشحك، وقمت بزيارات إلى ناخبيك المحتملين إلى آخره إلى آخره…

هذا في الشكل. أمّا في المضمون فدارت حملتك، وفق ما جاء على لسانك خلال مقابلة مصورة معك، على الدعوة إلى «الاعتراف بإنسانية اللاجىء الفلسطيني»، على أن تُفهم هذه الدعوة على معنى المطالبة ــ مطالبة السلطات اللبنانية ــ بالاعتراف للاجئين الفلسطينيين بمجموعة من الحقوق ــ تُجمل عادة تحت مسمى «الحقوق المدنية» تمييزًا لها عن «الحقوق السياسية» ــ تُقَرِّبُ إقامتهم في لبنان، أقرب ما يكون، مما يليق ببشر أن يعيشوا تحته وفي ظله من ظروف واشتراطات.

أفهم، أو أدَّعي، على الأقلّ، أنني أفهم حرصك على إضفاء هذا البعد «الحقوقي» و«الإنساني» الضبابي على ما بادرت إليه من «حملة مدافعة» توسلت لها بالانتخابات مناسبة… أفهم، أعني، ما قصدت إليه من مدارة الرقيق من مشاعر وأحاسيس مواطنيي ومواطناتي اللبنانيين واللبنانيات الذين حُقِنوا طيلةَ عقود بخوف «التوطين»، ويستمرُّ بعض الحمقى بحقنهم بهذا الخوف مُستنبتًا فيهم أسوأ مشاعر «الوطنية» و«العنصرية» سواء بسواء. نعم، أفهم كل هذا ولكن لا يسعني ألّا أتوقف مليًّا عند المناسبة التي استسنحتها لإطلاق حملتك: الانتخابات النيابية!

إقرأ أيضاً: منال قرطام تفتح الباب

ليس في علمي، ولا في علم من هم أعلم مني، أنَّ فلسطينيًّا/فلسطينية، أو فلسطينيًّا/لبنانيًّا، على ما تحبين أن تعرفي نفسك، سبقك إلى انتهاز مناسبة ضاربة في «السياسة» من قبيل انتخابات يُرادُ منها، نظريًّا، تكوينُ مجلس يمثل اللبنانيين،

ويُشرع باسمهم، ويُراقب، نيابة عنهم، أعمال السلطة التنفيذية، لمطالبة من هذا القبيل، وهذا لعمري ــ واسمحي لي بهذه الـ «لعمري» ــ أمْرٌ أقلُّ ما يقالُ فيه إنَّهُ مدهش وبشير خير… فإنْ يشي هذا الأمرُ بشيء فإنما يشي بأنَّ جماعةً، بصرف النظر عن عددها، من الفلسطينيين/الفلسطينيات باتت لا تتأنف، ولا تَسْتَحي، مِنْ أن تُساوي بُؤْسَها ببؤس «اللبنانيين»، وأنْ تَلْعَبَ لَعِبَهُم، وتَلْهو لَهْوَهُم وتَعْبَثُ عَبَثَهُم تحت العناوين «الحقوقية» نفسها التي يتوسل بها هؤلاء اللبنانيون ــ ولو على نحو افتراضي…

لم يفتني بالطبع ما استثاره ترشيحك من حفيظة بعض اللبنانيين الذين رأوا فيه، على ما جاء في عنوان مقال نشره أحد المواقع الإخبارية، استحضارًا لـ «شبح التوطين»، غير أنَّ ردَّ الفعل هذا أقَلُّ المتوقع، والأوجه عندي أنْ نستدرج، من خلال مبادرات «تَطْبيعيَّة» لبنانية/فلسطينية من مثل التي بادرت إليها، المزيد من أمثال رد الفعل هذا، فإنما السبيل الأخصر إلى طرد «شبح التوطين» من الوجدان ومن الخيال اللبنانيين ــ أو أقله إلى التخفيض من حضوره ــ وشأن التوطين في هذا شأن أي وسواس قهري ــ هو في تحفيز اللبنانيين على الخوض فيه وفي معانيه وفي حيثيات دخوله إلى اجتماعهم، وحتى في ملابسات اندراج رفضه في مقدمة دستورهم…

شئت، يا عزيزتي، أم أبيت، فإن ما أقدمت عليه من الترشح عن مقعد فلسطيني افتراضي في دائرة افتراضية لا يقف عند حدود الفكاهة والعبث… شئت أم أبيت، يكتب لك أنك سجلت سابقة يمكن أن نطلق عليه مسمى «التطبيع الحميد». من ثَمَّ، فأقَلُّ السؤال: «والآن ماذا؟».

إقرأ أيضاً: «موجودين» لم تلتزم الصمت الانتخابي

على نهاية العام الماضي أظهرت نتائج إحصاء بتوقيع إدارة الاحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن عدد «عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات هو 174.422». بصرف النظر عن المآخذ التِّقْنِيَّةِ والسياسية التي أخذها البعض على هذا الإحصاء، فعيبه الجوهري أنَّه حمل الفلسطينيين الذين أحصاهم على محمل «الكمية البكماء» من البشر، أو محمل الرَّجُلِ الواحِدِ كما تحب العربية في انحيازها للذكورة أن تقول… بعد أشهر على إعلان نتائج هذا الإحصاء بادرت إلى بادرت إليه ولعلي لا أبالغ إن تأوَّلتُ ترشحك عن ذلك المقعد الافتراضي في تلك الدائرة التي لا توجد على مُؤَوَّلِ الاعتراض على نسبه الإحصاء إلى فلسطينيي لبنان من «بكم» ومن عيٍّ أو أسوأ من هذا وذاك ما نسبه إليهم من سواسية في ما يريده الواحد منهم وينشده.

الآن ماذا؟

كأني بمزيد من «التَّطبيع» اللبناني/الفلسطيني، ومن الدعوة الصريحة إلى هذا القبيل من «التطبيع الحميد»، الوصفة المسماة لمداواة «لبنانية» اللبنانيين و«فلسطينية» الفلسطينيين.

السابق
قائد الجيش الأميركي في القيادة الوسطى يزور لبنان
التالي
دعوة للمشاركة في حفل تخريج برنامج «الإنكليزية للنساء»