حزب الله والحقد على رفيق الحريري

احمد عدنان

في الأسبوع الماضي، غرد أحد عناصر ميليشيات حزب الله قائلا إن حل أزمة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يبدأ بتغيير اسمه!.

يتعامل الحزب الإلهي، وأغلب حلفائه، مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحقد ظاهر وفج، ومن أمثلة ذلك، أنهم حين قاموا بغزوة الدراجات النارية في بيروت بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، تعرضوا لتمثال الحريري في حي عين مريسة.
إن تفسير حقد الحزب الإلهي على الحريري له غير سبب، ولوضع الأمور في سياقها الصحيح، يجب أن ننطلق من تعريف “حزب الله” تعريفا سليما: ميليشيات إرهابية إسلاموية إيرانية الولاء. ومن هذا المنطلق نستطيع قراءة حقدها على الحريري عبر علم النفس الإجرامي أو علم النفس الجنائي، فقد أدين حزب الله في أوروبا والأميركتين وإفريقيا بجرائم عدة، تجسس وإرهاب وغسيل الأموال وترويج المخدرات، وفظائعه في لبنان وسوريا والعراق واليمن ودول الخليج، لا تعد ولا تحصى.

حين نضع رفيق الحريري في مقابلة مع حزب الله نفهم كل شيء، يحظى رفيق الحريري بالاحترام – داخل بيئته وخارجها – نظير شخصه ونهجه وعمله، أما عنصر حزب الله، أياً كان، يهاب بسبب سلاحه، ومن دون السلاح والمال الإيراني لا قيمة له ولا لحزبه في بيئته قبل غيرها، ونضرب المثل بجنوب لبنان الذي كان بيئة خصبة ليسار ينظر بازدراء إلى الإسلام السياسي كأي يسار.

رفيق الحريري صنع من جمهوره وأنصاره جموعا من المتعلمين، أما الحزب الإلهي فصنع من أنصاره ميليشيات، وهناك فرق شاسع بين المتعلم وبين العنصر، فلا يحظى المقاتل بقيمة اجتماعية جامعة إلا بانتمائه للدولة، وما عدا ذلك، فالمسألة تخضع لوجهات النظر، هناك من يرى عنصر الميليشيات مجاهدا، وهناك من يراه أزعر أو مرتزقا، فيتمزق العنصر بين صورته أمام نفسه، وبين نقيضها، صورته في عيون غيره، لذلك يحرص على تحقير الآخر ورموزه لإثبات تقدم “القوة” على التعليم، وهذا سبب تهميش حزب الله للعائلات الشيعية العريقة. وقد نصل إلى سلوك مضاد، توسل أو تسول الاحترام والمكانة الاجتماعية، وهذا ملحوظ في تضخيم أدوار الحزب وربطها بمصلحة لبنان، كالتدخل في سوريا، والكل يعلم أن هذا التدخل إن لم يكن لمصلحة إيران، فهو لمصلحة الحزب الذاتية، وضرره على لبنان أكبر وأكثر من نفعه.

رفيق الحريري رغم علاقته الوطيدة بالسعودية وبدول الخليج والعرب وبأقطاب المجتمع الدولي، لم يشكك في لبنانيته أحد، والمشكلة التي تواجه الحزب الإلهي أن هويته محل تشكيك حاسم، فهو يسمي نفسه “المقاومة الإسلامية في لبنان” لا “المقاومة الإسلامية اللبنانية”، ويعلن أنه حزب ولاية الفقيه ووكيل الثورة الإسلاموية الإيرانية، ومع ذلك يريد من اللبنانيين قبل غيرهم، معاملته بالتساوي مع لبنانية الحريري الصادقة والصافية.

فقد الحزب الإلهي قدرته على تسويق دوره في تحرير الجنوب اللبناني، بسبب استهدافه للدولة اللبنانية والعرب، ولأنه أخرج الاحتلال الإسرائيلي وأدخل الاحتلال الإيراني ومثله، هناك ملاحظة صغيرة أيضا: بسبب سياساته وجهوده، وأبرزها تفاهم نيسان 1996، فرض رفيق الحريري نفسه شريكا رئيسا في التحرير، وهذا لا يناسب الحزب الإلهي أبدا.
رفيق الحريري يمثل مشكلة جوهرية لحزب الله في ظل زعم الأخير محاربته للإرهاب، فيسوق حزب الله نفسه كممثل للاعتدال في مواجهة التطرف، المعضلة أن صورة رفيق الحريري ثم نجله سعد، ارتبطت بمعنى الاعتدال وأظهرته، يحرص التيار الحريري على أن يكون عابرا للطوائف أكثر من حرصه على أن يكون ممثلا للسنة، في المقابل، ليس في حزب الله عنصر واحد من خارج الشيعة، ويشمل ذلك الشيعة غير المؤمنين بولاية الفقيه.

أيضا، قام رفيق الحريري ثم نجله بتبني قضايا المرأة وتمكينها، بينما حزب الله لم يرشح طوال تاريخه أي امرأة للوزارة أو النيابة، ومنع تلفزيون المنار التابع للحزب بث أغنية تمجد “المقاومة” وسيدها بسبب تبرج مغنيتها جوليا بطرس.
قام رفيق الحريري بتشجيع الفنون والمبدعين، بينما يعلن حزب الله الحرب على أغاني فيروز، حتى المناسبات الاجتماعية في بيئة الحزب تشترط منع الاختلاط والرقص واستبدال الغناء بالإنشاد. وكل هذه الملاحظات تكشف في النهاية تطابق المشروعين الاجتماعي والثقافي بين حزب الله وبين داعش والقاعدة، فعن أي اعتدال يتحدثون؟!. هناك فتاوى قديمة للحزب كفرت المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله بسبب خلافه مع إيران، وكفرت أيضا حليفه اليوم نبيه بري لأنه ليس ملتحيا.

إقرأ أيضاً: بدء جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في شكوى ايران ضد عقوبات ترامب

رفيق الحريري بنى مجده كبطل لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، وهو من أعاد إلى بيروت جمالها وشبابها، أما الحزب الإلهي يقبع في مكان آخر، فقد تسبب في خراب لبنان سنة 2006، واعتذر بقوله “لو كنت أعلم”، وتسبب في العقوبات الاقتصادية على لبنان، وإلى معاملة بعض اللبنانيين كمشتبه بهم حول العالم، وأفسد علاقة لبنان بمحيطه العربي، وأظهره كدولة مارقة على الصعيد الدولي، هل تعلم مثلا أن علاقة لبنان بدولة بعيدة مثل الباراغواي سيئة جدا بسبب نشاطات مشبوهة للحزب فيها. يتحمل حزب الله أيضا مسؤولية داخليا في قضايا الفساد والتوترات الأمنية بسبب علاقته أو حمايته لمجموعة من الخارجين على القانون، وبالتالي أصبحت مكانته في لبنان محل جدل وانقسام، خصوصا بعد ممارساته فيها وعلى رأسها اغتيال الساسة الوطنيين.

رفيق الحريري ابن الظاهرة المدينية من صيدا إلى بيروت، أما الحزب الإلهي، كأغلب جماعات الإسلام السياسي، ابن الأطراف الناقمة على المدينة، فالمدينة لا تقبلهم أفكارا وأشخاصا نظير عدم انسجامهم مع قيمها وسلوكها، بما في ذلك مدينة من صلب بيئتهم كصور، لذا لا بد من ضرب المدينة ورمزها، ومن ذلك مثلا احتلال بيروت وتدنيسها في 7 أيار 2008، بل واعتبار ذلك في أدبيات الحزب يوما مجيدا!.

إقرأ أيضاً: المحكمة الدولية: بدر الدين العقل المدبر والشبكة الخضراء تابعة لـ«حزب الله»

رفيق الحريري رمز للدولة، ولا يمكن أن تتعايش الميليشيات مع الدولة في موقع واحد مهما زعمت الود والوئام، في 7 أيار قام الحزب الإلهي بإسقاط علم الدولة لرفع علم الحزب مكانه، وليس مستغربا أن يفتتح حزب الله نشاطه العسكري بعملية ضد الجيش اللبناني في البقاع (آذار 1983)، والجيش هو حامي الشرعية ورمز الدولة، وبالتالي لا عجب لاحقا من قيام الحزب الإلهي مع حلفائه بتعطيل الدولة بالفراغات الرئاسية والحكومية.

هكذا، نستطيع فهم حقد حزب الله على رفيق الحريري، فهو يفضح عيوبهم، كما أنه يشبه لبنان وهم لا يشبهونه، ومع ذلك يرضى القتيل وليس يرضى القاتل.

السابق
مقدمة أخبار تلفزيون المستقبل: هو يوم للمظلوم بوجه الظالم..
التالي
عاشوراء.. بين التطبير والتطبيق