السيد محمد حسن الامين: الشورى في الاسلام هي عين الديموقراطية

يحاول الاسلاميون الراديكاليون احباط كل مسعىً للتحديث ولتقريب الاسلام الى الواقع المعاصر، وهم يصرون في مسعاهم هذا على الفصل بين مفهومي الشورى الاسلامي والديموقراطي الغربي، بدعوى ان لا وجود في الاسلام للحرية السياسية التي تشمل عامة الناس، وان الشورى هي حكر على الطبقة الخاصة في المجتمع الاسلامي.

العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين يشرح ظروف نشأة نظام الشورى فيقول “الحق أن الأمر في بداية الإسلام كان من الحكمة أن يحصر الشورى بأهل “الحلّ والعقد” أي نخبة المسلمين من الصحابة والأعيان، وذلك بسبب رقعة الانتشار الإسلامي الصغيرة وبحكم ان الإسلام دعوة للناس جميعاً. ومن هنا فإن الشورى عندما اتسعت، اتسعت رقعة الإسلام لا بد من أن تشمل جميع المسلمين بعد أن اكتمل الإسلام واكتملت عناصر الوعي بالمصالح العامة، فإذا قلنا أن الشورى مقصورة على أهل “الحلّ والعقد” في عصرنا، فإن السؤال الذي يرد على هذا هو، من هم أهل “الحلّ والعقد”؟ فإذا لم يكن هناك اتفاق على جماعة خاصة يقرّ الجميع أنها أهل للحلّ والعقد، فإن الشورى تصبح مستحيلة وهي تصبح ممكنة عندما يكون أهل الحلّ والعقد منتخبين من جميع أفراد الأمة وهذا ما يساوي أو يماثل النظام الديموقراطي البرلماني، حيث يمكن اعتبار ممثلي الشعب في مثل هذا النظام هم أهل الحلّ والعقد لأنهم منتمون من كافة الناس، لذلك فإذا استبعاد الديموقراطية بحجة أنها نظام يختلف عن نظام الشورى فإن حجة هؤلاء ساقطة، ولا بد من الأخذ بأسباب الشورى التي هي ليست إلّا مفهوما آخر لمفهوم الديموقراطية”.

اقرأ أيضاً: التجديد في الاسلام: في العقيدة والتراث أم في الوعي؟

أما موضوع أن المرجعية الدينية يجب ان تكون هي المرجعية السياسية للمسلمين، فيقول السيد الأمين “هذا بالواقع أمر لا دليل عليه، وكل ما ورد في الرجوح إلى الآخر بشأن الأحكام الشرعية هو آية فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ولم يحدد شخصاً معيّناً أو ذا مواصفات معينة يعتبره الإسلام دون غيره من أهل الذكر. ونحن نفهم المرجعية عند الطائفة الشيعية على أنها نوع من التنظيم الديني الذي ربما لا يزال مطلوباً ولكنه ليس مسألة شرعية مقدسة بقدر ما هو مسألة تنظيمية، عندما يوجد عدد من المجتهدين فليس هناك دليل على وجوب اتباع مجتهد محدد من بين هؤلاء يعتبر من “أهل الذكر”، بل كل العلماء والمجتهدين هم من “أهل الذكر”، وبهذا المعنى فإن تقليد شخص محدد وعدم الرجوع إلى غيره هو ليس بالأمر الوارد من الناحية الشرعية”.

أما موضوع الولاية، يتابع السيد الأمين “فلدينا جوانب منها يوجبها الشرع كالولاية على القاصرين والسفهاء أو على أموالهم، وعلى شؤون الأوقاف وما يماثلها، ومع ذلك فإن ولاية شخص محدد عليها ليس وارداً في الشرع وإنما يمكن اختيار واحد من مئات لتكون له هذه الولاية، وتكون ولايته شرعية.

بالنسبة لنظامي الولاية الشيعي والخلافة الذي يأخذ به بعض السنّة، فإن الإشكال المطروح هو أن هذين النظامين ليسا ملزمين لأنهما غير منزّلين لا في القرآن ولا في السنّة النبوية، ولكن الذي حصل بعد وفاة الرسول، إنه ارتؤوا أن يوجد خليفة وأن يكون نظام المجتمع نظام خلافة واستمر هذا الأمر لعهود إسلامية طويلة، ولذلك نحن لا نعتبر أن نظام الخلافة بالتخصيص هو نظام الإسلام، فيمكن وبواسطة الشورى نفسها، أن يقترح المسلمون لأنفسهم أنظمة مختلفة، وخاصة عندما يكون المجتمع مجتمعاً مختلطاً وليس من المسلمين فحسب، فلا بد من الاتفاق على نظام لتعايش هذه الهيئات المختلفة، وهذا ما تدل عليه صحيفة المدينة التي نظمت العلافات بين المسلمين وأهل الكتاب وشملت حتى المشركين”.

وبرأي السيد الأمين انه “يجب أن نتخلص من عقدة الخلافة، وحتى من عقدة الولاية المطلقة التي تشبهها عند الشيعة وذلك بعد أن انقطعت سلسلة الأئمة عندهم من أواسط القرن الثالث للهجرة، فلم يعد هناك ما يلزم الشيعة بإمام معيّن أو وليّ يمثل الإمام، وإن لم يكن من بد لإقامة نظام للإمامة فيجب أن يكون مستنداً إلى شرعية الانتخاب، وعليه فإن أحداً مهما بلغ من العلم والمعرفة والإخلاص لا يمكن أن يكون ولياً جبرياً على أفراد المجتمع الذين ينتمي إليه، وهذه الاعتبارات هي التي تجعلنا ننتقد نظام ولاية الفقيه، على الأقل من الجانب الذي يعطي للفقيه الصلاحيات الواسعة بحجة أنه خليفة الإمام المعصوم.فنحن ليس لدينا إمام معصوم الآن وإن قلنا بوجود إمام حيّ معصوم ولكنه غائب، فمن يمثل هذا الإمام المعصوم الغائب، وهل هناك وكالة صريحة لأحد بتمثيله؟

اقرأ أيضاً: السيد الأمين: نجاح «التنوير» رهن إطلاق روح نهضوية منبثقة من هويتنا

ويخلص السيد الأمين “إن الأمة بمجملها هي التي تشكّل مرجعية تحديد السلطة وسعة هذه السلطة أو ضيقها وفق قانون الانتخاب الذي يأتي بالسلطة للقيام بمهام الحكم وشؤونه، فلا مفرّ من التزام النظام الديموقراطي الذي هو نظام الشورى الذي يجعل للأمة ولاية على نفسها دون الوقوع في ما قد يؤدّي لحكم ديني “توليتاري”، فمن وجهة نظرنا أن الله سبحانه وتعالى باستثناء الأنبياء والمعصومين لم يوكل فرداً بعينه لحكم الأمة، هذا عدا ان الدول في عصرنا الراهن لم تعد خاضعة لسلطة الفرد، والحكم هو جهاز مؤلّف من مئات الأفراد الذين يتولون الشؤون العامة في مجتمعهم، كل واحد منهم ضمن دائرة محددة وصلاحيات ضمن دائرة محدودة، إذا لا إطلاق للسلطة لأي من المواطنين، وهذا الإطلاق كان مختصا بالأنبياء والأئمة المعصومين دون غيرهم.”

وفي النهاية يؤكد السيد الأمين “نحن من الذين يتبنون اعتبار الشورى الواردة في القرآن الكريم هي عين الديموقراطية كنظام للاجتماع الإنساني ولكن هنالك وهماً نشأ أن المسلمين اعتمدوا موضوع الشورى واعتبروا أنه يتعلق بنخبة قليلة في المجتمع هي ما يسمى بأهل الحلّ والعقد دون غيرهم”.

السابق
القبض على «نشّال»… المساجد مسرح عملياته!
التالي
الادعاء على هشام حداد والسبب.. محمد بن سلمان!