السيد الأمين: نحن بحاجة لنهضة دينية مقابل العدميات القاتلة

في استمرار للاجابه عن الاسئلة الوجودية الفلسفية التي طرحناها الى المفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الامين، يجيبنا السيد عن الفرق بين الفطرة البيئة وتأثيرهما على طبيعة الانسان، وعن اشكالية القرب أو البعد عن الدين.

في جواب السيد الامين حول الدين وأصالته وإذا كان أصلاً فمن أين يأتي الإلحاد؟ وهل هناك فارق بين الفطرة والعادة والبيئة؟
يجيب السيد الامين “عندما تتكلم على أصالة الدين فإننا نتكلم عن الدين كمبدأ وليس عن دين معيّن فالسؤال الديني مطروح عند الكائن الإنساني منذ بدأ وعيه يتفتّح على الحياة والوجود، ومن المفارقات الملفتة أن السؤال الأول الذي واجه الإنسان هو سؤال أصل الوجود، أي من خلق هذا الوجود، ولحدّ الآن ما زال السؤال مطروحاً ونزعم انه من إنسان عاقل إلاّ ويرد هذا السؤال على عقله وهو يقطع هذه الحياة.

اقرأ أيضاً: أسئلة حول الفطرة ومعنى الحياة وطرق الهداية الى الله

ولقد عبّرت الأجيال القديمة عن حيرتها أمام الوجود إلى نسبة الوجود لظاهرات طبيعيّة كالشمس والنار، وحتى بعض الحيوانات التي أصبحت موضوعاً لعبادات يمارسها البشر، وإما أن يعتقدوا بقدسيتها، وأما لظنهم أنها تصلهم بالخالق الأول.
فالدين بهذا المعنى فطرة ليس الإنسان بحاجة لأن يتعلم السؤال الديني، فهو مفطور عليه، والفطرة ليست هي العادة، فقد تكون العادة منسجمة مع الفطرة وقد تكون العادة مظهراً اجتماعياً أو شخصياً، فلكل إنسان عاداته وتقاليده وهي صفة من صفات الاجتماع البشري، أما الدين كمبدأ، فهو موضوع تأمّل عند جميع البشر والذين لا يؤمنون بدين معين أو لنقل الملحدون، فإن ما يسمونه إلحاداً، هو ليس إلحاداً حقيقياً، غاية الأمر انهم يشككون بوجود الله ويعتبرون أن إثبات وجوده مستحيل كما أن نكران وجوده مستحيل أيضاً.”

ولكن هل البعد عن الدين أدى إلى هذه العدمية القاتلة؟

يجيب السيد الامين “يقول الله تعالى في القرآن الكريم، ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً. توصي هذه الآية الكريمة بأن الإنسان هو أكرم المخلوقات على هذه الأرض على الأقل، وبالتالي فإن هذا يفترض على الإنسان سلوكاً مستقيماً، والالتزام لمبادئ الصدق والشرف والأمانة وكل القيم الإنسانية النبيلة، ويحذّر من الانحراف عن هذه القيم، والتحذير هنا ليس للأفراد كأفراد فحسب، ولكن المجتمعات في العلاقة ببعضها. بهذا المعنى يمكننا القول أن عالمنا وحتى عالم ما قبلنا لم يصل إلى درجة الالتزام الدقيق بهذه القيم والفضائل التي هي مضمون الدين وطالما كانت الغرائز الفردية أو الغرائز الاجتماعية تلعب دوراً أساسياً في تكوين المجتمعات والأفراد، فالحروب مثلاً إذا أردنا أن نعود إلى أسبابها العميقة في الكائن الإنساني نجد أنها استجابة لغريزة القوة والهيمنة والسيطرة من مجتمع على آخر.
وإذا تأملنا بالعلاقات الاجتماعية، لوجدنا فيها خللاً واضحاً، ولكنه متفاوت بين الشعوب لجهة غلبة الغريزة على العقل وعلى واجبات الدين.
ومن هنا نستنتج أن هذا الخلل الذي يشهده عالمنا المعاصر لجهة ضعف العدالة، وعدم التعاون لإحلال السلام بين الشعوب والكثير من الغرائز غير الإنسانية تتحكم بعالمنا بأكثر مما يتحكم فيه الوازع الديني، ولذلك فإنه من الطبيعي أن نقول نعم إن غياب الدين يشكل السبب لكل السلبيات التي يزدحم فيها عالمنا المعاصر على مستوى المجتمعات والحكومات، وعلى مستوى أنماط السلوك الفردي.
ولو أن نهضة دينية حقيقية قامت في عالمنا هذا، وكانت برعاية نخب مؤمنة بقيم الدين لأحدث ذلك تغييراً حقيقياً وجوهرياً للبشر جميعاً، ولكان مصداق التكريم الإلهي للكائن الإنساني قد تحقق أيضاً ووضح أمام الإنسان غاية قصوى لوجوده وهي غاية الوصول إلى الله تعالى كما عبّرت الآية القرآنية الكريمة بقوله تعالى: “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه”.
يبقى أن بعض العقبات الوهمية تحول دون فكرة اجتماع العالم على تقديس الدين، وهذه الفكرة تتعلق بتعدد الأديان، ونحن على ثقة أن التمسّك بجوهر الدين أيّاً كان هذا الدين سوف يقرّب المجتمعات والأفراد بعضهم إلى بعض، ويجعل منهم أقدر على التوافق على الأمور الجوهرية في الأديان، وكلها أمور إيجابية تدفع إلى صلاح الإنسان وتجريده من الخضوع إلى غرائز الطمع والجشع والرغبة، في التسلط والتفوق، وتجعل الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط وفق التعبير المقدّس.”

ولكن ما هو المذهب الوجودي الفلسفي الذي يطبع اليوم أوروبا بطابعه العلماني، وهل يحمل هذا الفكر عداء للدين؟

يشرح السيد الامين ويقول “الوجودية كظاهرة فلسفية في الفكر الإنساني هي حركة فكرية قامت بعد سقوط الكنيسة والتسلّط بإسم الدين على المجتمعات الغربية، وهي في جوهرها فلسفة الحرية، وقد طغى عليها هذا الجانب وصولاً إلى القول بحرية الإيمان الديني وحرية الإلحاد معاً، فهي إذن فلسفة تاريخية تنطلق أسبابها من الواقع الاجتماعي والسياسي الذي عاشه الغرب وعاش سلبياته تجاه الكنيسة، ولذلك بدلاً من انتقاد الكنيسة برز جنوح إلى ما هو أبعد من الالتزام فيها، بل إلى نكران أصل الدين، واعتباره مجرد ظاهرة تاريخية، هذا لدى الوجوديين الملحدين.

اقرأ أيضاً: العلاَّمة الأمين: الانعكاس الرّوحيّ لتغيُّر أعمارنا والعلاقة الثابتة بين الاجيال

أما على مستوى الوجودية المؤمنة وأبرز ممثليها الفيلسوف الفرنسي “كيرك غارد”، فهذه الفلسفة لا تنفي الدين وإن كانت تتمسّك بالحرية كمضمون جوهري للكائن الإنساني، وفي ملاحظاتنا أن هذه الفلسفة من هذا الجانب تلتقي مع كثير من نظريات الفلاسفة المسلمين، وخاصة في العنوان الأساسي لفكرها واعتبارها أن الوجود يسبق الماهية، وأن الإنسان هو من يصنع ماهيته وهذا يماثل أدبيات القرآن الكريم باعتبار كل فرد مسؤول عن أعماله لأن هذا الفرد حرّ في تشكيل ماهيته، أي عقيدته ورؤيته للدين والوجود والحياة.
فالوجودية ليست بالضرورة فلسفة إلحاد، ولكنها رؤية لموضوع الحرية وتلاقيها بالكائن الإنساني”.

السابق
نوفل ضو يسأل سعد الحريري: من قتل رفيق الحريري؟ماذا جرى في 7 أيار 2008؟
التالي
«نساء الحرب» لجواد الأسدي: مسرحية من جحيم الوطن