سلاح حزب الله مسكوت عنه ما دام لا يهدّد اسرائيل

ما يعني المصالح الدولية الاميركية والاوروبية والروسية في لبنان، هو استمرار الهدوء على الحدود اللبنانية مع اسرائيل، وبقاء لبنان مخيما للاجئين السوريين ومنع تدفقهم نحو اوروبا، وعدم المخاطرة بحياة اكثر من عشرة الاف جندي للامم المتحدة في جنوب لبنان.

يندرج تحت هذه العناوين منع تحول لبنان بأي وسيلة من الوسائل أن يكون مقرا او ممرا للارهاب الذي يهدد المصالح الاميركية والغربية بما فيها مصالح روسيا، وبالتالي فان المطلوب قمع هذا الارهاب الذي يجري تعريفه في حسابات المجتمع الدولي اليوم انه الارهاب السني، الذي لا يزال يحتل الأولوية في سلم الاهتمامات لدى هذه الدول، وعنوان تقاطع بين هذه السياسات مع المحور الايراني، من دون ان يعني ذلك بالطبع، التطابق وعدم التعارض في ملفات أخرى، تتصل بحدود النفوذ الايراني ومعاييره في المشرق العربي واليمن.

هذا لبنان في الحسابات الدولية، وما دامت هذه الشروط مؤمنة وغير منتهكة، فان لبنان لن يكون تحت المجهر الدولي او في سلم الاهتمامات الدولية في الاقليم، بهذا المعنى فان سلاح حزب الله لن يكون محل مساءلة دولية ما دام ملتزما بهذه القواعد ولا يخل بها، وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية في بيروت، “أن حماية الاستقرار في لبنان تتطلب هذه السياسة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة في اكثر من دولة تحيط به” ولفتت “ان الحكومة اللبنانية ملتزمة بتوفير الاستقرار وعدم جر لبنان الى متاهات اقليمية وفوضوية، مشيرة الى ان سياسة النأي بالنفس تتضمن في المآل الأخير التزام حزب الله بالعودة الى لبنان من دون ان يشكل عدم تنفيذ هذا المطلب في الوقت الراهن عنصر اخلال بمسار النأي بالنفس الذي اعيد تجديده مع عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته”.

وسط هذا المشهد الدولي، تبدو اولويات السيادة والديمقراطية وحماية الحريات، ليست على قائمة الاهتمامات الاميركية ولا الاوروبية، العنصر الوحيد الذي يجري التشديد عليه هو اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وسوى ذلك فان انتقال لبنان نحو نموذج الدولة البوليسية، هو ما يجد له تقبلا دوليا، انطلاقا من أن الاولوية الامنية بما هي عنصر وحاجة مطلوبة، فلا ضير ان تقوم هذه الدولة بمزيد من بسط سيطرتها وتعزيز سطوتها على الداخل بما يحقق المصالح الخارجية، اما الداخل اللبناني فهذا شان آخر اذ لن يخل قمع الحريات او تشديد القبضة الامنية واستخدام القضاء لتهميش المعارضة وقمعها بما يريده المجتمع الدولي من لبنان اليوم.
المرحلة في لبنان هي اقرب الى ما جرى عشية انتخاب1992 او عشية الدخول السوري الى قصر بعبدا عام 1990 ، اي ان المعادلة الدولية قدمت لبنان هدية من ذهب للوصاية السورية، ولم تهتم بالمقاطعة المسيحية لانتخابات 1992 ولا الى شروط الديمقراطية، بل عملت على تغطية النفوذ السوري في لبنان وأهملت مسألة انسحاب الجيش السوري التي وردت في اتفاق الطائف وتعامت عن كل السلوكيات التي أخلت بالحياة السياسية اللبنانية وصولا الى تغطية معاقبة كل من رفض نتائج المعادلة الداخلية وصولا الى سجن سمير جعجع الذي أصر على عدم التسليم بالمعادلة الجديدة ولو من من موقع الاعتراض السلمي.

إقرأ أيضاً: حزب الله يقاتل، وأميركا تنتصر

ما يعزز من هذه المخاوف اليوم، أن التحالف الذي قام في السلطة اليوم بين الثلاثي عون الحريري حزب الله، يحظى بغطاء اوروبي مباشر وبدعم ايراني وبقبول عربي ولو كان مترددا، وما سيساعد على استمراره وبقائه، هو التزام حزب الله بعدم تجاوز الخطوط الحمر، اذ أن ايران وتاليا حزب الله، أقرا اخيرا بالالتزام بشروط الاتفاق في جنوب سوريا، بمبدأ الاتفاق الذي يضمن لاسرائيل عدم المس بأمنها، وهو اتفاق روسي اميركي، شارك في انجازه الاردن واسرائيل. بهذا المعنى فان الاولويات الاسرائيلية هي نفسها الاولويات الدولية بما يتصل بموضوع حماية الاستقرار الامني على الحدود الشمالية لاسرائيل في لبنان وسوريا، وهذا ما سيتيح في المرحلة المقبلة اعطاء زخم لتحالف السلطة المذكور في الاطباق على البلد ضمن منطق المحاصصة الامنية والاقتصادية، وسيطلق مفهوم الدولة البوليسية التي لن تكون لينة بل متشددة حيال كل محاولة للمس بهذا التحالف ونتائجه السياسية. اذ يجب الاقرار ان كل ما كان يعني المجتمع الدولي من سوريا كما اثبتت الوقائع أمران لا ثالث لهما منذ انطلاقة الثورة السورية: منع تدفق الارهاب الى اوروبا ومنع نشوء دولة يحكمها الاسلاميون أولاً، وضمان الاستقرار على حدود اسرائيل ثانياً، اما مستقبل 27 مليون سوري فهو شأن ثانوي.

إقرأ أيضاً: إيران – حزب الله يفتحان الجبهات.. رداً على الضغط بسوريا؟

هذا المسار هو ما يطرح تحدّ جديد امام المعارضة او المعارضات التي هي امام خيارين، اما الاستسلام لهذه السلطة او مواجهتها، والمواجهة هذه المرة تتطلب ادراكا مسبقا أن المجتمع الدولي في صف تحالف السلطة عندما يتصل الأمر بقضية الديمقراطية والحريات والشفافية والمحاصصة والفساد وقبل كل ذلك عندما يتصل مطلب المعارضة بالسيادة والاستقلال.

السابق
عن «الضارة-الضارة» و«الضارة النافعة»
التالي
استخبارات الجيش توقف أحد أهم المشاركين في تفجيرات الضاحية