
إستيقظ اللبنانيون صباح امس على جريمة مروعة في منطقة زقاق البلاط أشبه بمجزرة بطلها مراهق لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره رفع سلاحه بوجه والده وأطلق النار عليه حتّى أسلم الروح على الفور. إلّا أنه لم يكتف بهذا القدر فخرج من المنزل وأخذ يطلق النار من خلالها على المارة والمباني المجاورة لمنزله وهو يقول : قتلته.. قتلته.. !
إقرأ ايضًا: صبيّ يطلق النار على والده في زقاق البلاط
وبحسب التفاصيل، وفقا للمعلومات الأولية، فقد أطلق المراهق الذي يدعى علي يونس النار من بندقية صيد على والده فقتله على الفور، ثم خرج من منزله مطلقاً النار في اتجاه ناطور المبنى المجاور وهو سوري الجنسي فأصابه وفارق الحياة، كما أصيبت زوجته وشخص آخر كما قتل أحد المارين جراء إطلاق النار. وعلى الفور حضرت القوى الأمنية إلى مكان الحادثة وإستطاعت توقيف مطلق النار.
وفيما لا يزال السبب غير معروف حتى الساعة، تشير المعلومات الأولية الى مشاكل عائلية دفعت المراهق للقيام بجريمته. وقد تمّ تداول عدّة سيناريوهات خلف هذه الجريمة، منها تعنيف الوالد للأم ما جعل الطفل يتحرّك ضد والده.
وسيناريو آخر يقول إن يونس مولّع بلعبة Grand Theft Auto – GTA ومدمن عليها وهي من فصيلة ألعاب الفيديو العنيفة، وتظهرالمجرم في صورة البطل، وما حصل فجر اليوم ان “علي” حمل بندقية صيد وخرج من منزله، فلحق به والده سائلاً عن وجهته ليقع الشجار بينهما ومن ثمّ يأخذ الفتى وضعا قتالياً ويطلق النار على والده في مشهد يجسّد تماماً الوضعيات القتالية في اللعبة المذكورة.
وتتضارب الروايات حول ذلك، فيقول اشخاص ان سببها نزاعات تتعلق بمشاكل متراكمة بين الوالد ونجله نتيجة تصرفات يتورط فيها الاخير. وان خلافات علي مع والده محمد ليس بجديد بل كان يتكرر في مرات سابقة.
وإلى جانب قضية السلاح المتفلت التي تتفاعل مع كل جريمة قتل، إلّا أن إقدام شخص على قتل والده تستدعي البحث في الجانب النفسي والعوامل الإجتماعية والعائلية التي تؤثر بشكل مباشر في شخصية أبناء المجتمع والتي أدت الى حصول جريمة من هذا النوع، خاصة أن الفاعل من مواليد (2003).
فما هو تفسير علم نفس الجريمة لمثل هذه الحادثة؟ وكيف تؤثر العوامل النفسية والإجتماعية كما الأسرية على شخصية الفرد ليصبح قاتلا؟ وفي حال صح سيناريو الإدمان على ألعاب الفيديو العنيفة ما هو مدى تأثير هذا الإدمان هلى تنمية الحس الإجرامي لدى المراهق؟
في هذا السياق كان لـ “جنوبية” حديث مع الدكتور في علم النفس أحمد عياش الذي أوضح أن” قتل الابن اباه في لبنان ليست بالحادثة الاولى فقد تكرر المشهد مع شاب قتل والده الطبيب وآخر في صيدا أيضا قتل والده قبل عدة سنوات وهناك شبان قتلوا أمهاتهم، اذن جريمة زقاق البلاط ليست فريدة من حيث قرابة المقتول للقاتل واسباب تلك الجرائم إختلفت من حيث الدوافع والجريمة في الأصل لا تحصل عادة لسبب واحد بل بينت قراءتنا للجريمة في لبنان (كتاب الشر والجريمة-دار الكتاب اللبناني) أن إي سبب او عامل او دافع بإمكانه ان يكون شرطا لوقوع الجريمة إذا توفرت الظروف المحيطة بالإضافة الى الاستعداد النفسي لردات فعل مفرطة انفعالية هوجاء تجعل من المرء ضحية لانفعاله السلوكي وللإفراط في افراز الادرينالين والدوبامين اللذان يكفيان بالدفع بالمرء الى الشعور بالخطر الداهم وبضرورة القتل كرد فعل طبيعي وعادي ما يجعل الأب هدفا سهلا إذ تسقط عندها في اللحظات تلك المودة والقرابة والمعزة والعيب والحرام لصالح العقاب والانتقام والتنفيس عن إحتقان ما…”
إقرأ ايضًا: اعتداء على جامعي في الدامور بطعنات سكين
واضاف “في لبنان فوضى في الفكر والاخلاق والسلوك العام بالإضافة لتشوه صورة الرب(بما فيه الدولة) والاب(بما فيه الضمير العام) والاستاذ (المدرسة)مما يجعل المراهقين والشبان في حالة إسميها متلازمة الضياع لنقاط الارتكاز النفسي، مما يجعل القتل مبررا للخلاص لتجنب الانتحار او الشعور بالفشل او الهزيمة…فكيف اذا كان اللبناني عرضة لمحفزات خارجية اعلامية- هوليودية- بوليودية – ميليشياوية شوارعية الخ تسهل من القفز في المجهول وتجعل من الجريمة متعة في مغامرة”.
واشار عياش الى ان ” الكلام عن ادوات لعب يدمن عليها المرء هو كلام للاستهلاك الاعلامي البسيط فالالعاب منتشرة بالملايين فهل الجرائم مليونية؟ لا…لا بد من وجود استعداد او قابلية عند المرء للاضطرابات النفسية تجعل من المحفزات عوامل مباشرة تساعد على ردات فعل غير منتظرة”. وخلص بالقول “الأهم هو السؤال :طالما القضاء يعالج نتيجة الجريمة بالعقاب، فمهمة من منع وقوع الجريمة؟
وتابع “الادوية والحبوب المهلوسة والمخدرات والكحول موجودة وبكثرة في الشارع والتعاطي سهل.
عدم اللجوء الى الطبيب النفسي (الشاطر) عند بدايات الاضطرابات في السلوك عند المرء والاكتفاء بإحتياطات اجتماعية او دينية او تربوية ما مختلفة تزيد من احتمالات العنف”.
وخلص عياش إلى أن “وصف ادوية ذي تأثيرات عصبية ذهنية من قبل أطباء غير مختصين بالطب النفسي يسبب في احيان كثيرة اضطرابات نفسية تؤدي الى العنف ومن هنا يأتي حماقة ما قامت به احدى منظمات الصحة عندما اعتقدت انها في ندوات طبية تستطيع تأهيل اطباء عام لوصف ادوية عصبية نفسية!احيانا كثيرة تكون العوامل الجانبية للادوية اكثر خطورة من الداء نفسه واخطر من العنف عندما يكون الواصف للدواء غير مؤهل لذلك”.