السيد الأمين عن نكبة فلسطين: هزيمتنا حضارية وليست عسكرية

برأي سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين، ان هزيمة العرب التي حلت قبل 69 عاما مع احتلال العدو الصهيوني لأرض فلسطين، لم تكن هزيمة عسكرية فحسب، انما كانت هزيمة حضارية وعلمية وثقافية.

يقول سماحة العلامة الأمين بداية “وبمناسبة مرور 69 عاماً على علان نكبة فلسطينية، واحتلالها من قبل العدوّ الصهيوني، تقال أسباب وأمور متعددة لا مجال لتعدادها، ولكن وجهة نظرنا أن هذه الأسباب السياسية الخارجية والداخلية ليست هي سبب توالي النكسات والهزائم التي شهدتها الأمة العربية، وبالأحرى فإن هذه الهزائم ليست بسبب ما يتمتع به العدو الإسرائيلي من قوة، فنحن ولشدة التراجع وفظاعة الهزائم كنا نحسب أن هناك خللاً كبيراً في ميزان القوة بيننا وبين العدوّ على مدى عقود طويلة من الزمن ابتداء بسنة 1948 وصولاً لآخر احتلال قامت به إسرائيل على الأراضي اللبنانية.

اقرأ أيضاً: العلامة السيد محمد حسن الأمين: «الخلافة وولاية الفقيه» غير منزلتين من السماء

ويوضح السيد الأمين: “ما نريد قوله هو أن هذه الهزائم كما أشرت لم يوقعها العدو بنا، وإنما نحن من أوقعنا أنفسنا فيها لصالح العدو، أخذنا نضخم قوة هذا العدو والاحتضان الدولي العالم بصورة خاصة للكيان الإسرائيلي وحمايته.والحق أن النكبة بدأت عند هزيمة الجيوش العربية عام 1948، لا لأن الجيوش العربية لا تملك العديد والعدة لقتال العدو، بل لأن سياسة الأنظمة نفسها، كانت محكومة للإرادة الدولية التي تريد زرع الكيان الصهيوني على أرضنا”.

ويقول السيد الامين ان العرب بعد ذلك نكبوا أيضا بالأنظمة المستبدة التي حكمتهم ” فقد رُفع بعد الهزيمة شعار نعرفه جميعاً هو شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، أي المقصود أن الأولوية هو لقضية فلسطين عربياً، وليس لأي قضية أخرى سواء كانت قضية وطنية أو سياسية أو اجتماعية، وأخذت الأنظمة توطد سلطاتها وتقويها لا بهدف التحرير الذي تبين أنه شعار كاذب لا هدف من ورائه سوى إسناد السلطات القائمة ودعمها، وكان شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، غطاء لقمع كل أشكال التحرر أو التمرّد بل في مواجهة كل المطالب الوطنية وعلى رأسها الحرية والديموقراطية، الأمر الذي مكّن الحكومات العربية من عزل قوة الجماهير وطاقاتها الكبيرة، وجعل الانتصارات الإسرائيلية انتصارات مجانية سهلة، مما أوقع في وهم البعض أن الجيش الإسرائيلي جيش لا يُهزم، وقبل أن ندحض هذه المقولة نود أن نقول بأن هذا الشعار الذي تم إيقاف حركة التقدم والتطور في المجتمع العربي من أجله، كان شعاراً كاذباً، من تلك الأنظمة التي ادعت أنها تقدمية وتريد تحرير فلسطين.”

ويسرد السيد الأمين ما حصل بعد ذلك ” فقد خُدعت الشعوب العربية بهذا الشعار في كثير من الدول العربية، حتى كانت المفاجآت المتوالية للهزائم المنكرة التي بدأت بصورة مفصلية عام 1967، وكان المهزوم فيها هو المصدر الأساسي للشعار القومي الذي ذكرناه، وكان هزمية لمصر وللشعار إياه “لا صوت يعلو” ثم كرّت الهزائم تلو الأخرى، وربما كان الفلسطينيون أول من اكتشفوا خديعة الأنظمة العربية، ومن هنا انطلق شعار “الكفاح الوطني المسلّح”، بعد اليأس من الجيوش العربية وحكامها، وقد كان هذا الخيار خياراً صائباً وضرورياً من أجل استلام مقاليد القضية الفلسطينية ونزعها من أيدي الأنظمة العربية التي وصلت ملاقتها بالقضية الفلسطينية حد الخيانة. ولكن رغم صحة القرار الفلسطيني في الكفاح المسلح ضد الكيان الصهيوني، إلا أن هذا الكفاح، أو هذا التوجه قد لاقى من العنف والاضطهاد من قبل الأنظمة العربية أكثر ما لقيه من إسرائيل نفسها، ومع ذلك ظل خيار المقاومة يتخذ له موقع الأولوية بين بقية الخيارات فترة طويلة من الزمن وحتى مرحلتنا الراهنة، خصوصاً بعد أن نجحت المقاومة الوطنية الفلسطينية داخل غزة أن تحقق اشكالاً متقدمة من الصمود ولا أقول الانتصارات الباهرة في وجه العدو. وإن كان لهذا الأمر حسناته فإن من حسناته بل أبرزها سقوط الشعار الخادع الذي ذكرناه، بأن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، ولو أن المر جاء متأخراً وجاء في ظروف مأساوية تعيشها الأمة بسبب التراكمات التي خلفتها أنظمة الاستبداد في العالم العربي، ومن هنا فإنني أزعم أن وسيلة التحرير سوف تأخذ منطلقاتها الأكثر جدية وعقلانية عندما يتم إنضاج التوجه السياسي لشعوب الأمة وهو أن هزيمتنا مع العدو الصهيوني هي هزيمة الحضارية وليست هزيمة عسكرية”.


ويستطرد السيد الامين قائلا: “أذكر أنني منذ أكثر من 15 عاماً تحدثت lمحاضرا بدعوة من منظمة التحرير الفلسطينية في الجامعة الأميركية في بيروت، وكان عنوان المحاضرة ومضمونها مفاجئاً لكثيرين، وهذا العنوان هو: “الطريق إلى فلسطين لا تمر عبر فوهة البندقية بل عن طريقة فوهة العقل العربي”. أي بما يعني أن الذي هُزم هو “العقل العربي” ودعوت الى عدم الاستمرا في تقديس شعار البندقية، لأن البندقية هي وسيلة صمّاء إذا أعطيت السيادة فسوف تكون وسيلة تدمير للأمة وللفصائل المقاتلة والأحزاب المتناحرة، وأن البندقية يجب أن تعود إلى مكانها الطبيعي أي خاضعة للتوجه العقلاني الحضاري في مقاومة العدو الصهيوني، وعلى سبيل الاختصار ماذا لو كانت فترة 70 عاماً مضت على احتلال فلسطين هي فترة ازدهار ونمو حضاري واجتماعي واقتصادي؟ هل كانت فلسطين إذ ذاك قضية مستحيلة؟ مذكرين من يتفاءلون أو يتجاهلون أن الكيان الصهيوني لم ينتصر بسلاحه بقدر ما انتصر في بنيته الداخلية الديموقراطية من جهة والصناعية والزراعية، وتوفير أعلى المبالغ في الميزانية الإسرائيلية لمؤسسات البحث العلمي، إذا فنحن نصارع بالدرجة الأولى حضارياً، والسلاح قد نحتاجه وقد لا نحتاجه لتحرير فلسطين عندما تغدو الأمة امة حضارية غنية وقوية ومنتجة لوسائل حياتها من خلال تحقيق أعلى قدر من النمو الذي توفره المساحة الجغرافية الهائلة والمساحة البشرية العائلة للعرب، فإذا أضفنا إليهم المسلمين صاروا هم القوة الأعظم في كل العالم، ولم يعد قزم صغير كإسرائيل يهدد وجودنا ومصيرنا”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الايديولوجيا هي الأسطورة الحديثة لا الأديان

ويختم السيد الأمين معلنا “نعم هناك صوت أن يعلم فوق صوت المعركة الذي هو صوت الحرية والديموقراطية العدالة، وعندما أرفع الصوت مطالباً بهذه القيم لا أكون خارج القضية الفلسطينية، بل أكون في لبّها وفي جوهرها، أشعر بحاجتي إلى الحرية والديموقراطية في جوهر صراعي مع إسرائيل، والبندقية يمكن أن تكون إداة للانتحار أحياناً، وهذا ما نراه لدى الشعوب المتخلفة عندما تمتلك السلاح.”

السابق
بو صعب لـ«صحافية»: على الجريدة أن تحاسبك إما على الكذب أو على الغباء
التالي
تيار باسيل الشيعي: بروباغندا إعلامية ممنوعة من الصرف!