خطابان «موفقان» لنصر الله… وبشار هو الحكم!

مواقف "موفقة" لنصرالله...

في 18/3/2017؛ قال نصر الله ما لا يلزم في تعظيم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “نتنياهو ذهب إلى موسكو حبواً ليتوسل الرئيس بوتين لأنه خائف من هزيمة داعش في سوريا”. كان هذا الموقف أحد أكثر المواقف غير الموفقة لنصر الله.

في خطابه بتاريخ 11/5/2017؛ انتبه نصر الها لهذه السقطة فقال: “سأكون صريحاً وشفافاً، روسيا لا تعتبر نفسها جزءاً من محور المقاومة؛ كي يأتي أحد ويحاسبها على علاقتها بإسرائيل”. بهذا التبرير رد نصر الله على المزاعم “أن حلفاء سوريا ليسوا منسجمين”، فأعطى جمهوره حجة رد على الآخرين دون أن يجيب على السؤال المحرج: هل الغارات الإسرائيلية التي تستهدف الحزب في سوريا تتم رغماً عن الروس أم برضاهم؟! الجواب يعرفه نصر الله، ولا يجرؤ أن يعلنه لاعتبارات سياسية.

في خطاب سابق له بتاريخ 2/5/2017؛ أخرج نفسه من التجاذبات الداخلية حول قانون الانتخابات في لبنان عندما قال: “ليس لدى حزب الله وحركة أمل أي مشكلة بأي قانون انتخاب يُتفق عليه”. أمام جمهوره ومن لا يدرك خفايا السياسة اللبنانية؛ بدا “حزب الله” مترفعاً عن الحسابات الخاصة وحريصاً على البلد، وهذه مهارة سياسية بلا شك، ذلك أن الواقع غير المعلن أن “حزب الله” ليس خارج النزاع حول قانون الانتخاب، وفي أحسن الأحوال فإن حركة “أمل” (الجزء الثاني للثنائي الشيعي)؛ تشكّل طرف النقيض لطروحات الثنائي المسيحي.

نصر اله واصل مواقفه “الموفقة”. قارن بين المجزرة الملتبسة في حي الراشدين (15/4/2017) وبين المجزرة غير الملتبسة في خان شيخون (4/4/2017)؛ ذلك أن مجزرة الراشدين طالت مهجرين الفوعة وكفريا والفصائل المعارضة للنظام السوري على السواء، ويقف خلفها -على الأرجح- طرف متشدد رافض للاتفاق، في حين أن مجزرة خان شيخون طالت المدنيين في مناطق المعارضة حصراً، واستُخدم فيها السلاح الكيماوي المُلقى من الطائرات، التي لا تملكها المعارضة كما هو معلوم، وثبت تقرير Human Rights Watch، مسؤولية النظام السوري عنها، وأقرت روسيا نفسها بأنها من فعل طائرات النظام (لكنها استهدفت مستودعاً كيماوياً للمعارضة وفق روايتها)، ولكي يكون نصر الله متساوقاً مع حليفه بشار الأسد الذي عاد وقال: “الأمر مفبرك بالكامل” (نشرت إحدى الوكالات الروسية تقريراً أن المشاهد التي بثتها الجزيرة في خان شيخون تمثيلية، ثم عادت واعتذرت)؛ قال نصر الله: “إن الأميركيين لا يقبلون لجنة تحقيق في خان شيخون” (خطابه في 2/5/2017)، علماً أن حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم روسيا؛ هم من رفض القرار الأممي للتحقيق، مرتين على التوالي في 5/4/2017 وفي 11/4/2017.

في خطابه بتاريخ 11/5/2017؛ تجاوز نصر الله بـ “ذكاء” الأسئلة المحقة التي تُطرح حول مقتل القيادي العسكري البارز في الحزب؛ مصطفى بدر الدين، وسلسلة التقارير المكتوبة والمصورة التي وضعت شبهات حول تصفيته داخلياً وذلك من خلال موجة مديح من نعوت الكتب القديمة: “الذكاء الألمعي .. يزأر كليث غاضب، ويبكي كأم حنون.. وقور في الشدائد.. يجيب عند النداء…”، متحاشياً إيراد أية رواية متماسكة عن طريقة مقتل بدر الدين.

وفي خطوة لا تقل ذكاء لتغطية إعادة تموضع مسلحيه في سوريا، وتحميل جزء من الأعباء العسكرية إلى الجيش اللبناني؛ أعلن نصر الله الانسحاب من سلسلة جبال لبنان الشرقية تحت عنوان “المهمة أُنجزت… ونحن لسنا بديلاً عن الدولة .. نحن موجودون في المقلب الآخر في عدد معين ومتواضع وسنحافظ عليه”.

على مدى السنوات السابقة كان الحزب بديلاً عن الدولة، باعتراف نصر الله؛ أن الحزب “ذهب إلى الجبال” و”قاتل” و”أقام تحصينات”. وبما أن الحزب لديه مهمات أخرى؛ فقد وجد الحزب أن المعطيات العسكرية تفرض عليه تحرير قواته في السلسلة الشرقية، وعدم تعريضها لحرب استنزاف، ودفعها باتجاه أماكن أخرى. وهكذا بات شعار: “نحن لسنا بديلاً عن الدولة” مكملاً لشعار “المهمة أنجزت”، وكلاهما يصب في خانة دعم الخط العسكري لـ “حزب الله”.

إقرأ أيضاً: اختراق اسرائيل لكلمة نصرالله: أين الأمن والأمان يا سيّد؟

الملف الأبرز الذي أبدع فيه نصر الله هو ملف “التغيير الديموغرافي”:
1- أول من عرض التغيير الديموغرافي في مفاوضاته مع من يعتبرهم إرهابيين؛ كان المفاوض الإيراني في العام 2015؛ عندما عرض إفراغ الزبداني وإحلال شيعة الفوعة وكفريا مكانهم. الوثيقة في ذلك مكتوبة، وقد نُشرت في الإعلام. نصر الله اعتبر “الذي يمارس التطهير الطائفي هم الجماعات المسلحة الموالية لتركيا والسعودية ومصر ودول الخليج وأميركا”، وأن “إيران لا تزال تناقش النظام إن كان يسمح للزوار الإيرانيين أن يأتوا إلى دمشق وإلى السيدة زينب”(هكذا بالحرف)!

2- بُعيد سيطرة النظام السوري على بلدة داريا؛ أمّ الشيخ أمجد البهادلي أمام وسائل الإعلام(توفي قبل أسابيع) المصلين الشيعة الذين جلبهم وعائلاتهم معه ليحلوا محل أهل داريا. في تقرير موثق نشرته “الغارديان” في 14/1/2017 بعنوان “إيران تعيد تشكيل سوريا ديموغرافياً” تفصيل دقيق لذلك. نصر الله في خطابيه الأخيرين ذكر مناطق عديدة تشهد نزاعاً ولم يذكر داريا.

3- يعتمد النظام السوري ما يسميه “مصالحات” يتنقل بموجبها المقاتلون وأسرهم من مناطقهم إلى مناطق أخرى، فيما يقوم بإحراق أو إخفاء الطابو أو اللجوء إلى إسكان آخرين (عائلات شيعية يجري تجنيسها) مكان “الإرهابيين”. حدثت هذه “المصالحات” التهجيرية في جوبر والقابون وبرزة والقدم والعسالي واليرموك وبيت سحم ويلدا وببيلا والمعضمية وحي الوعر في حمص…والتركيز حالياً على ما تبقى من ريف دمشق.

4- إذا كان الحزب مسؤولاً بشكل غير مباشر عن حالات التغيير الديموغرافي التي قام بها النظام والإيرانيون في سوريا، فإنه مسؤول مباشرة عن التغيير الديموغرافي في كل من: القصير والقلمون والزبداني، وقد احتلها الحزب وهجّر أهلها منها، فضلاً عن الحصار المخزي لمضايا، وتهجير منطقة وادي بردى مؤخرا.

5- في موضوع الطفيل؛ البلدة اللبنانية السنية في البقاع، فقد هجّر الحزب أهلها ثلاث سنين، ومنعهم من العودة إليها. وفي خطوة مستغربة اضطر وزير الداخلية اللبنانية في 18/4/2014 لعقد اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية، ضمّ إليه مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، لبحث مصير أهالي البلدة المذكورة، دون أن يتمكن من تحقيق انسحاب الحزب منها. الآن وبعدما أعلن نصر الله أن المهمة انتهت رمى المرة بدهاء على الدولة:
“الأجهزة الأمنية والجيش ووزارة الأشغال والصحة .. تفضلوا لازم الدولة تتصل بأهل الطفيل، لا أن يذهب أهل الطفيل إلى الدولة.. ونحن في حال طلب أهل الطفيل منا شيء وكنا قادرين؛ نساعد”.

إقرأ أيضاً: نصرالله يحاول «وصل ضفتي الحرب» بصوته

سلسلة المواقف “الموفقة” سمحت لنصر الله إعادة بيع الأوهام لجمهوره: “نزداد قناعةً أن خيار الذهاب إلى سوريا كان صحيحاً، وكل لحظة تمر في سوريا هي لحظة نصر” (2/5/2017). كما مكنته ليقول لمن تبقى من المسلحين في منطقة القلمون: لا أفق لمعركتكم، دعونا نحل هذا المشكل ونضمن لكم تسوية والانسحاب”، في مزيج بين إعلان النصر والرأفة بالمنهزمين، وهذا موقف “موفق” أيضاً…

في معرض رده على ولي ولي العهد السعودي؛ الذي انتقد إيران، “التي تريد السيطرة على المنطقة تمهيداً لظهور المهدي” قال نصر الله إن:”المهدي عليه إجماع المسلمين” -وهذا من حيث المبدأ صحيح-، وأضاف: “سيخرج المهدي من مكة المكرمة، ولن يبقى ملك ظالم ولا طاغية مفسد، النصيحة لكل ظالم أن يتطلع حوله وينهي ظلمه، والنصيحة لكل طاغٍ أن يتوب إلى الله”.

قد يعتبر نصر الله نفسه صالحاً غير ظالم، حسناً.. لكن ما هو تصنيف نصر الله لبشار الأسد؟! هل هو حاكم عادل أم طاغية عصره؟! هنا يكمن معيار الحق، وبه يسقط كل الكلام أو يرتفع.

السابق
باسم ياخور يؤكد تمسكه بالأسد وبالأجهزة الأمنية
التالي
الحجاب: واجب عند الشيعة.. غير واجب عند السنّة!