هل بدأ «حزب الله» بتصفية مراكز نفوذ داخل تركيبته؟

احمد عياش

لم يعد مشهد “القمصان السود”، وهو الزيّ الأشهر لـ #حزب_الله، مقتصراً على إخضاع معارضي الحزب خارج نطاق مناطق سيطرته فحسب، كما حصل إبان الغزو المسلح لبيروت في 8 أيار عام 20088، وكما حصل في بداية عام 2011 لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والمجيء بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بل اقتضت الحاجة اليه الآن لاستخدامه في داخل هذه المناطق وتحديدا في الضاحية الجنوبية لبيروت المعقل الرئيسي للحزب. هذه المرة خرجت القمصان لتضع حداً لتمرد راح يتعاظم في صفوف الحزب لا سيما في برج البراجنة. فما هي قصة هذا التمرد؟ هل انتهى، أم إن جمر الانقسام المقلق جدا لقيادة الحزب لا يزال تحت رماد التوتر الذي تعيشه #الضاحية اليوم؟ المعطيات التي استقتها “النهار” من مصادر وثيقة الصلة بهذه التطورات ترسم صورة مختلفة عما جرى الاعلان عنه حتى اليوم.

تعيد المصادر أسباب الانقسام في صفوف الحزب الى القرار المركزي بتعيين قيادي في برج البراجنة بديلاً من المسؤول السابق الحاج حاطوم، ما استدعى استنفاراً لمجموعات تابعة للاخير تقدّر بالمئات ما جعل قيادة الحزب تتمهل في إجراء هذه المناقلة المهمة على المستوى التنفيذي في هذه المنطقة الحيوية جداً الى ان اندفعت الى فرض التبديل وسط حالة أمنية لبست لبوس مكافحة المخدرات الليلة الاخيرة من آذار الماضي. وفي خلفية هذا القرار المركزي، بحسب معطيات المصادر، قرار أكبر يتصل بتصفية مراكز النفوذ التي أنشأها القائد السابق مصطفى بدر الدين الذي قتل في #سوريا في 13 أيار عام 20166. وتصف المصادر الحاج حاطوم بأنه من الانصار المهميّن لبدر الدين.

وتبيّن أن من يتولى حالياً مهمة تصفية تركة الاخير هو قائد بارز في الحزب يحظى بتغطية واسعة من القيادة إنطلاقاً من مهمة إعادة التماسك الى صفوف الحزب الذي يشهد أعراضاً تشبه تلك التي سادت مرحلة من الزمن “فتح لاند”، وهو التعبير الذي أطلق قبل عقود على مناطق سيطرة منظمة “فتح” التي أسسها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في النصف الاول من القرن الماضي، والتي أنشأت دولة داخل الدولة في لبنان بدءاً من سبعينيات القرن الماضي. ومثلما حصل في “فتح لاند” يحصل اليوم في مناطق “حزب الله” أي نشوء مراكز نفوذ مناطقية تابعة لهذا القيادي او ذاك.

إقرأ أيضاً: «عراضة» برج البراجنة تذكير بالحقيقة

من التفاصيل المهمة التي تشير اليها المصادر لجوء “حزب الله” الى عناصر مقنّعة عند الانتشار الاخير في الضاحية الجنوبية، وذلك من أجل تجنّب صراع مكشوف بين عناصر الحزب أنفسهم. ولئن الناس يعرفون بعضهم، كما يقال، كان على عناصر القوة التابعة للمسؤول الجديد في برج البراجنة أن يتلثموا لتفادي الحساسيات مع عناصر المسؤول السابق الحاج حاطوم الذين ما زالوا يمثلون قوة أساسية على المسرح الامني في برج البراجنة. وبهذه الطريقة تفادى الحزب صراعاً مكشوفاً في صفوفه كان سيؤدي في حال وقوعه الى ما لا يحمد عقباه.
ماذا عن العنوان الذي أشهره “حزب الله” لتحركه الميداني، أي العنوان المتعلّق بمكافحة المخدرات؟ لا تخفي المصادر اقتناعها بأن هناك سبباً وجيهاً في هذا العنوان. لكن التركيز عليه وحده يجتزئ الصورة الشاملة التي تفيد بأن شبكة مصالح واسعة ومعقّدة تسيطر على الضاحية الجنوبية تتضمن أشكالاً عدة من بينها المخدرات والدعارة. إذ لا أحد يستطيع القول إن “حزب الله” قادر على إنهاء هذه المظاهر الشاذة باستبدال مسؤول بآخر، فالامر يتعلّق بشريحة واسعة متورطة في هذه المصالح. ومن الامثلة التي تعبّر عن تعقيدات هذا الملف، الاشتباك الذي وقع قبل أيام بين قوى الامن من جهة وبين مساعد نوح زعيتر المدعو محمد الشيخ من جهة ثانية. وتساءلت المصادر ماذا كان ليحصل لو كان وقع الاشتباك مع زعيتر نفسه الذي صار نجماً على مسرح البيئة الحاضنة للحزب؟

إقرأ أيضاً: ما حصل في برج البراجنة محزن جداً ووصمة عار

إذاً، القضية صارت أكبر من كل الجهود التي يقوم بها الآن “حزب الله” لـ “تقليم أظافر” من يخرج عن طاعته من خلال “جراحة على جرعات”، إذ إنها أصبحت متصلة بشبكة مصالح تتخطى النطاق الداخلي لتصل الى العالم الخارجي وخصوصاً تلك المتعلقة بصناعة الكبتاغون والاتجار بها. وهنا تعود الذاكرة الى مرحلة حيث كان أحد نواب “حزب الله” الحاليين وأقربائه في دائرة الاتهام بصناعة هذه المادة وترويجها. وقد مضى موضوع الكبتاغون الى غياهب الزمن وأصحبت معطياته في دائرة النسيان الى ان جاءت اشتباكات برج البراجنة لتسلط الاضواء عليه من جديد لكن من زاوية تغيير الرؤوس وليس من زاوية إنهاء هذا المصدر الاستراتيجي الثروة.
إن من يعلم ما يجري في مناطق “حزب الله” يدرك ان المسألة تتخطى برج البراجنة. إنها في الواقع برج بابل مراكز النفوذ في دولة الحزب.

السابق
انتشار لقوات النظام وللميليشيات وإجلاء للجرحى من مطار الشعيرات
التالي
نتنياهو معلقاً على الضربات الأمريكية: نأمل أن نسمع رسالة ترامب في طهران