إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي(8): تنظيم عمل الساحة الدينية في لبنان

إن أولى أولويات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضبط و مراقبة و تنظيم الساحة الدينية الشيعية، لا سيما فيما يتعلق بنطاق عمل علماء الدين.

انطلاقا من التجربة التي مرت بها دار الفتوى مع مجلس شورى الدولة، حينما أبطلت الجهات القانونية الرسمية قرارات الاستيلاء على الاوقاف، و حصرت الامور في مجال الإشراف على إدارة الأوقاف فقط.

و هذا ما يجب أن يعيه القائمون على ادارة المجلس الشيعي، كون صلاحيتهم ليست أكثر قوة على المستوى القانوني من دار الفتوى، و مع ذلك تم الطعن بتغيير الجهة المالكة للأوقاف، و منع بموجب الطعن من تسجيل الوقف على اسم دار الفتوى، مع بقاء سلطة الإشراف على الوقف!
و هذا بعينه ما يجري على المجلس الشيعي، الذي له الحق الكامل بالإشراف على كافة أوقاف الطائفة، دون أن يعني ذلك أن له أدنى سلطة في مجال تغيير جهة الوقف، و تغيير اسم الجهة المالكة للأوقاف !

وهذا ما يفرض استحداث بعض الأطر الكفيلة بإبقاء المجلس الشيعي ضابطا للأمور، وفي رأينا أن يتم إنشاء ثلاثة أطر تجتمع بشكل دوري في المجلس الشيعي، ويكون رئيس المجلس الشيعي هو رئيسها الحكمي، وهذه الهيئات هي:

اقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشّيعيّ(١): لتشكيل هيئة مؤقتة لإدارة المجلس

1 – مجلس المجتهدين والفضلاء:
المجتهدون هم أميز علماء دين شيعة، وهم الطبقة الأرفع على مستوى العلماء، ويحظون باحترام المؤمنين، كما لهم صلاحيات دينية في كثير من أحكام الشريعة…
هذا الأمر يلزمنا بمحاولة ايجاد إطار يجمع العلماء المجتهدين، وينظم عملهم، وبالوقت نفسه يوجد آلية عملية للتواصل بين المجلس الشيعي وهذه الطبقة من علماء الدين..
وللعلم، فإن المجلس الشيعي – ومنذ تأسيسه – لم يتمكن من استيعاب العلماء المجتهدين.. حتى خلال فترة الإمامين الصدر وشمس الدين، ناهيك عن هذه المرحلة – مرحلة الشيخ قبلان – التي تشكل أضعف فترة زمنية مر بها المجلس على الإطلاق..
ويعزز طرحنا هذا نص المادة 11 من قانون تنظيم شؤون الطائفة الشيعية الصادر في العام 1967م، حيث اشترطت الإجتهاد في رئيس المجلس الشيعي، وقد جاء نصها: (يشترط في رئيس المجلس أن يكون لبنانيا وعالما دينيا معترفا باجتهاده المطلق في الأوساط العلمية..).
وعليه، فإذا كان الرئيس ينتخب من هذه الطبقة، فمن باب أولى أن نشركها في عمل المجلس، ومهامه.
ولا شك بأن فاعلية المجلس تتضاعف بشكل ملفت للغاية إذا تمكنا من جعل المجتهدين يتفاعلون مع المجلس الشيعي.

2 – مجلس لوكلاء المراجع:
كما ينشط في لبنان مجموعة من علماء الدين الذين يمثلون مرجعيات دينية من العراق وايران، وهذا ما تعارف عليه عند الشيعة بأن يفتتح للمراجع مكاتب شرعية في البلدان، وذلك للتواصل بين المؤمنين ومرجع التقليد الذين يرجعون إليه.
وفي لبنان حاليا ينشط بشكل أساسي مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، ومكتب المرجع السيد علي الخامنئي، وبدرجة أقل مكاتب المراجع: الشيخ بشير النجفي، والسيد محمد سعيد الحكيم، والسيد صادق الشيرازي.
ولكل مكتب نشاط و حيوية، حسب عدد المقلدين، وضمن ميزانية مالية، كل بحسبه، وتاليا فإن حراك المكاتب الشرعية على مستوى الساحة اللبنانية وازن جدا، علما ان أكثر من مكتب ميزانيته أكثر بكثير من ميزانية المجلس الشيعي!
وكل هذا يلزم المجلس الشيعي بمتابعة ما يجري في ساحته، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن للمكاتب حاجتها للمجلس فيما يمت للقضايا الرسمية اللبنانية.. وهذا ما يجعل تأطير العلاقة بين الطرفين ملحة.

3 – مجلس لمدراء الحوزات العلمية :
للمعاهد و الحوزات العلمية الشيعية أهمية خاصة، بل و بالغة أيضا، ومنشأ ذلك لكونها موضع صناعة علماء الدين الشيعة..
حيث تنتشر عشرات المعاهد الدينية في بيروت والجنوب والبقاع، بنظام تعليمي حر، وتحظى هذه الحوزات بمكانة أساسية في التركيبة الدينية للشيعة.
والمأمول من المجلس الشيعي السعي لايجاد طريقة للتواصل مع هذه الحوزات، ويكون ذلك عبر هذا الإطار، فتبقى صلة الوصل متوفرة بين المجلس والحوزات، بخلاف وقتنا الراهن، حيث إن الحوزات تتجاهل المجلس، إلا في موارد حاجتها له!

المجلس الشيعي الاسلامي الاعلى
المجلس الشيعي الاسلامي الاعلى

ويبقى أنه إذا أردنا ترتيب بيتنا الشيعي الداخلي، فلا مناص من ضبط حركة العاملين في الشأن الديني، وهذا ما لا يمكن توفيره إلا بالعمل بمقترحنا هذا، الذي يجب أن يكون على الشكل التالي:
أ – أن يكون المجلس الشيعي هو الحاضن لهذه الأطر، والمراقب لحركتها، دون أن يكون له سلطة مباشرة، إلا بما تسمح له القوانين الرسمية المعمول بها راهنا.
ب – ينبغي أن يكون رئيس المجلس الشيعي هو رئيس هذه الأطر، اعتمادا على مكانته وصلاحياته الرسمية، لا سيما وأنه الرئيس الروحي للمسلمين الشيعة في لبنان.
ج – تتخذ هذه الأطر من المجلس الشيعي مقرا ثابتا لها، على أن يخصص لها أمكنة محددة.
د – يكون لكل إطار أمين سر، يعينه رئيس المجلس الشيعي، و يعمل بتوجيهاته المباشرة.
ه – يكون لهذه الأطر اجتماعات دورية، بشكل فصلي (كل ثلاثة أشهر)، وكلما دعت الحاجة.
و – لا يحق للمجلس رفض أي وكيل لمرجع إطلاقا، كما لا يحق له رفض أي إدارة حوزة، كما ليس من الحكمة وضع تعقيدات أمام الفضلاء.. حيث إن هذا الأمر مطاط بعض الشيء، لذا ينبغي التحلي بالمرونة في هذا المجال.

اقرأ أيضاً: إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي(٢): نظرة على الإفتاء الجعفري

إن هذا التنظيم يعود بالنفع الكبير على المجلس الشيعي، وعلى عموم علماء الدين، ووكلاء المراجع، والحوزات العلمية، وفيه مصلحة عامة للكل، لا يجوز تجاهلها.

السابق
ريفي يسلّم السيارات المصفحة
التالي
استعدادات لإفشال مراسم تسلم ترامب السلطة