حين تصبح المقاومة مشروعاً كولونيالياً صهيونياً

ينبري بعض المثقفين للدفاع عن “حزب الله” بزعمهم أن استهدافه استهداف لمقاومة الكيان الصهيوني وأن وضعه على لائحة الإرهاب من قبل دول ومنظمات عربية وغربية يدخل في سياق المؤامرة على كل القوى الثورية التحررية في المنطقة. بيد أن هؤلاء المنبرين نسوا أو تناسوا أن المقاومة ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي توقفت منذ العام 2006 بموافقة “المقاومة الإسلامية في لبنان” على القرار 1701.

وما تلك العمليات الإعلانية التي أتت تحت عنوان الانتقام لـ”قادة مقاومين”، خصوصاً في سوريا، سوى محاولات لذر الرماد في عيون الشامتين أو امتصاص لغضب المؤيدين.

لا جدال بتاتاً في مشروعية وقداسة العمل المقاوم ضد أي إحتلال لأي أرض ولأي شعب. لكن أن تتحول المقاومة إلى قوة احتلال في سوريا، وتدعم احتلال بلدان أخرى مثل اليمن والعراق فتلك الطامة الكبرى.

اقرأ ايضًا: رغم رفض أوباما الكونغرس يلاحق السعودية كـ«راعية للإرهاب»!

هذا ما جنته يد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حين قضى على المقاومة الوطنية اللبنانية المتعالية فوق الاعتبارات المذهبية، لتتكامل خطته، في ما بعد، مع دور فارسي تقسيمي للمنطقة بذهنية مذهبية، بتنا اليوم نحصد نتيجة سياساتها.

من المهم الإشارة هنا الى أن الأسد الأب لم يعرف عنه أي مودة شخصية في حياته للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي جعل من العمل المقاوم ساحة مفتوحة أمام كل التيارات السياسية والقوى الآيديولوجية على اختلاف انتماءاتها، فكانت “فتح” خيمة يناضل تحتها الإسلامي والقومي واليساري، المسلم والمسيحي، السني والشيعي. طبعاً تلك تجربة اخترقتها عيوب كثيرة وسياسات داخلية وعربية ودولية أدت إلى إفشالها، ولا مجال لمناقشتها في هذه العجالة.

لقد عمل الأسد في لبنان على ضرب المقاومين اليساريين الذين كانت تدعمهم “منظمة التحرير الفلسطينية”،

وتسخير عملائه ومرتزقته ليغتالوا كل مقاوم لبناني أو فلسطيني يعمل بعيداً عن عباءة دمشق.

ربما كانت مجزرة ثكنة فتح الله في بيروت والتي ذهب ضحيتها 25 مناضلاً من “حزب الله” فاتحة لتنفيذ سياسة هز العصا لكل من يخرج عن إمرة سيد قصر الأمويين في دمشق خلال اجتياحه بيروت أواخر الثمانينات.

وأتت حرب الإخوة بين حركة “أمل” والحزب الناشئ حديثاً بدعم إيراني لتؤكد تصفية حسابات غير مفهومة بين طهران ودمشق قبل أن تعود العلاقة إلى شهر العسل الطويل بعد تطويع “حزب الله” وحصر المقاومة في الجنوب بحزب مذهبي يخدم دولة خارجية تحت شعار “الولاء لإمام العصر” ولا يؤمن بكيان لبنان أو حتى عروبته.

وعلى الرغم من سوء هذه الذهنية التي تعامل بها الأسد مع المقاومة في لبنان، أتت أعمال “حزب الله” العسكرية والأمنية في الجنوب أكلها وحظيت بتضامن لبناني عربي دولي غير مسبوق. لكن النار التي كانت تنتظر تحت رماد النضال ضد العدو، كانت نار مذهبية بامتياز. نيران تأسست على أحقاد تاريخية بدأت منذ مقتل الإمام الحسين على أيدي رجال الحاكم الأموي يزيد بن معاوية وبمعاونة

ممن كانوا يزعمون أنهم أنصار إبن بنت رسول الله في الكوفة. هذه الأحقاد كانت تطل برأسها عند كل مناسبة ويتم تجاوزها من خلال تصريحات إدانة من الحزب أو خطابات تدعو للوحدة الإسلامية ونبذ الفرقة. لكن الحديث عن الوحدة الإسلامية ورص الصفوف في مواجهة المحتل لم تكن سوى الدسم الذي حمل سموم الطائفية ومشروع الملالي في إيران والذي بتنا نحصد ما زرعه هذا المشروع على مدى خمسة وثلاثين عاماً.

ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط العام 2005، سرت هذه الأحقاد بلباس سياسي يزعم أن المعركة بين تيار يسعى لجعل لبنان محمية إسرائيلية خليجية وتيار آخر يزعم أنه يدافع “عما تبقى من شرف الأمة”. وفي الواقع لم يكن هذا الصراع بين التيارين سوى بين شلل مرتزقة لقوى إقليمية وعالمية على مصالح وثروات المنطقة.

جاءت حرب تموز في صيف العام 2006، والتي كانت محط تأييد واحتضان معظم الشعب اللبناني والعربي، لتضع حداً للعمل المقاوم تمهيداً لتوريط الحزب الإيراني في مستنقع الفساد اللبناني، وهذا ما ظهر من خلال عمليات احتيال وتزوير وصناعة وتجارة الحشيش

والمخدرات التي قام بها من يقال بأنهم مقربون من “حزب الله”، الى جانب وقوف الحزب مع الزمرة السياسية الفاسدة ضد مطالب الشعب اللبناني المحقة. وبذلك تحولت ضاحية بيروت الجنوبية من خزان للمقاومة إلى بؤرة تحوي وتغطي كل ما هو ممنوع وما هو مخالف للنظام والقانون.

حين اندلعت الثورة السورية وقف الحزب الإيراني مع النظام الجائر ضد الشعب السوري بدلاً من أن يثبت بأنه قوة تحررية ثورية هدفها تغيير الأنطمة الديكتاتورية، لأن تحرير فلسطين (كما هو شعار الحزب) يتطلب التحرر من الاستبداد ومن القمع وحتى من الرؤية الدينية التي تصادر حرية المرأة والفرد باسم التكليف الشرعي.

بقطع النظر عن نشوء تيارات تكفيرية انضمت الى تشكيلات الثورة السورية، كان “حزب الله” حتى في بداية الثورة السلمية وقبل تسلّحها يعلن صراحة موقفه الداعم لبشار الأسد وزمرته الحاكمة، ليعلن بعد نحو سنة أنه يشارك في القتال إلى جانب قوات هذا النظام وشبيحته وقوات الاحتلال الإيراني وبعده الإحتلال الروسي ضمن شبكة عالمية تزعم أنها تحارب الإرهاب في سوريا

والعراق تضم أيضاً “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة و”الغدة السرطانية إسرائيل” .

وبدأت تظهر أشرطة تسجيل “فيديو” و”يوتيوب” تبين حجم الحقد المذهبي لدى عناصر الحزب والتي التقت مع أحقاد في الجانب الآخر السني السلفي، لتؤسس حرباً مذهبية قذرة تستعيد جرح التاريخ لترسم بدمائه خريطة تقسيم جديدة للمنطقة، لكن هذه المرة على أساس مذهبي.

فالخطاب الذي كان يصف العلويين والشيعة بـ “النصيرية” و”الرافضة”، لم يكن أقل سوءاً من الخطاب الشيعي الذي يخوّن ويكفّر بطريقة مبطنة بالتحليل السياسي المضلل وهي طريقة مختلفة عن طريقة التكفيريين الفجّة لكنها أكثر خطورة. وبالتالي فإن السلفيين السوريين لم يكونوا البادئين بالإعتداء على الضاحية بل كان هناك من ينتهك ارض سوريا وكرامات أهلها في عقر دارهم. وهو نفس الدار الذي استقبل هؤلاء المعتدين وأهلهم وأطفالهم في حرب تموز “المجيدة”.

لذلك كانت قضية ترحيل سكان من القصير والزبداني وداريا إلى شمال سوريا من السنة وجلب سكان شيعة من الشمال الى المنطقة المحاذية للبقاع اللبناني تهدف الى إستكمال مخطط تقسيم المنطقة ديموغرافياً على أساس

مذهبي، مصداقاً لتصور الصهاينة لمنطقة مقسمة الى كيانات دينية متخلفة لتسهيل السيطرة على ثرواتها وإمكاناتها من خلال مواصلة اللعب على تناقضاتها.

إذن هو مشروع كولونيالي جديد من داخل الأمة هذه المرة، وبلغة مذهبية و”أقلوية” توظف أساطير تاريخية لتتمكن من سلب الأرض والنفط والغاز و”تطهيرها” من سكانها الأصليين”.

اقرا ايضًا: أرواح شهداء «قانا» تشعر بالعار!

رغم كل هذه المآسي التي خلقها وشارك في صناعتها هذا الحزب “المقاوم”، لا يزال بعض المثقفين والصحافيين في لبنان والعالم العربي يدافعون عن هويته السابقة كقوة مقاومة، إما بسبب راتب شهري يتقاضونه من جهاز”اطلاعات” الاستخباراتي الإيراني أو لوجود غباء مستحكم لا يرى بعين العقل ما يجري على الساحة الدولية من مقايضات ومساومات، أو بسبب عقدة مذهبية سخيفة.

ما نشهده اليوم في سوريا واليمن والعراق والى حد ما في لبنان، هو عملية استرجاع واضحة لمعركة يزيد والحسين، لأن بعض المتشددين من السنة وفي مقابلهم غلاة الشيعة يعتقدون أن ظهور المهدي تسبقه حروب دموية بين أتباع المذهبين، ظناً منه كل طرف أنه يمثل

الفرقة الناجية التي تقضي على الضلال تمهيداً لـ”يوم الخلاص”.

وما يحدث في سوريا اليوم هو أن “حزب الله” تحول إلى قوة احتلال تستعمل كل الأسلحة الممكنة بما فيها الطائرات من دون طيار، لتقصف التجمعات السكنية التي تسيطر عليها قوى معارضة لنظام الأسد. وبهذا يتكامل دوره مع الإحتلالين الإيراني والروسي لسوريا، ويبارك احتلال الفرس لليمن والعراق.

إنها مفارقة لئيمة حين يصبح المقاوم عنصراً “نظامياً” يقود دبابة فتتعرض لصواريخ الثوار. بهذا المعنى أصبح “حزب الله” ارهابياً بامتياز، يحتل أرض غيره وينفذ جداول أعمال قوى خارجية في طليعتها “إسرائيل”.

لعل ما يجرح الفؤاد أكثر من كل هذا الإجرام الذي نشهده اليوم، إستمرار تصفيق شريحة كبيرة من “المثقفين” والإعلاميين لمحور “الممانعة” رغم هذه المحرقة التي تشهدها حلب على أيدي مرتزقة إيران وروسيا.

إذا كان كل هذا الإجرام والتدمير والفساد لم يقنع “مثقفي” الممانعة ومؤيديها بأن هذا المحور شيطاني بامتياز من موسكو الى الضاحية الجنوبية مروراً ببغداد وطهران، ولا

يختلف عن محور أميركا- اسرائيل -السعودية، بل أكثر سوءاً ولا أخلاقية، فإن المثل الذي يقول “اللي استحوا ماتوا” بات ينطبق فعلاً على هذا الزمن الحالك السواد.

السابق
باسم فغالي يتباهى بشذوذه الجنسي بأحضان شاب عاري
التالي
حرب: دعم الحريري لترشيح عون هو خضوع للابتزاز السياسي