السيد محمد حسن الأمين:(1) عن أسئلة العولمة والهويات الضيّقة

هل العولمة ظاهرة إيجابية أم سلبية؟ سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين يرفض الإجابة عن هذا السؤال قبل مناقشة صحة وجود العولمة. فهل هي وجدت قبلا لتنجح أو تفشل؟

لم تعد كلمة العولمة مجال بحث وإعادة نظر لدى الكثيرين من الناس عامة ومن كثير من المفكرين وعلماء الاجتماع، بل باتت تتردد في كتاباتهم وأحاديثهم وحتى في أبحاثهم كما لو أنها حقيقة محددة ومعروفة الأبعاد بل وكأنها حقيقة ثابتة ومطلقة ولا مجال لإعادة النظر فيها.
يعرض السيد الأمين لما يجري الحديث عنه في المحافل الفكرية والاعلامية من تقييم مبكر سلبي او ايجابي للعولمة، مع تدفق سيل من المقالات والكتب حول الموقف من هذه الظاهرة.

يقول السيد الأمين ” بغض النظر عن موقفنا بالقياس إلى هذه المواقف المتعددة التي أشرنا إليها، فإنني أرى بأننا مدعوون إلى إعادة النظر في صحة القول بان هذه المرحلة تتسم بأنها مرحلة عولمة بل نشك في ان هذه الظواهر المتعدد التي يشهدها عالمنا المعاصر وأبرزها سرعة التواصل، نشك بانها نقلت العالم من مرحلة التعدد الحضاري والقومي والإقليمي، وأنها أدخلت هذا العالم في ذاك واحدة، أي أنها بحسب ما يصفون أن هذه المرحلة شهدت نقلة نوعية في تاريخ العالم. ونرى أن ظاهرة التسارع الجديد في التواصل بين أجزاء العالم كان من بعض آثارها أنها بدلاً من التأثير على الهويات الضيّقة بمضامينها الثقافية والحضارية والدينية، أن سرعة التواصل هذه قد زادت في تضييق ظواهر هذه الهويات، بل في زيادة التعصب لهذه الهويات المختلفة والتوجه إلى شكل جديد من أشكال الصراع بين هذه الهويات بما يقترب قليلاً إلى مفهوم صراع الحضارات الذي قال به صوموئيل هانغتون، وما حركات العنف التي يشهدها عالمنا العربي إلا مظهراً مرّاً من هذه الصراعات، كما انها مظهر من مظاهر المزيد من التفكك، بل واسترجاع مرحلة سابقة من مراحل تاريخنا التي برزت فيها ظاهرة الاستعمار والتسلط”.

ويؤكد السيد الأمين “أن التاريخ لا يكرّر نفسه كما يظن البعض، فإن ظاهرة الصراع والتفكك التي نشهدها الآن تختلف عن مرحلة الاستعمار السابقة، بأنها تأخذ أيضاً بشكل التفكك والصراع في البنى الداخلية للبلاد المستعمرة سابقاً، هذا ما يحصل على مستوى جزء كبير من العالم العربي والإسلامي، فإذا كان للصراع القائم لهذه البنى ذا طابع ديني وطائفي، فهو أيضاً شكل من أشكال ردود الفعل للبشرية على واقع وعلى قيم سياسية خلفها الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين”.

السيد محمد حسن الامين

ويضرب السيد الأمين مثالا عن سوريا فيقول “أن القوى العالمية الكبرى وخاصة أميركا وروسيا تستعيد أطماعها الاستعمارية وتقف من هذه الحروب الداخلية موقفاً واضحاً لجهة، فكأن قرارات سايكس بيكو التي قسّمت المنطقة العربية لم تعد كافية لتثبيت وحماية هذه الدولة، فهي تطمح إذا إلى مزيد من التفكيك والتقسيم ومنح فرص الصراع الديني والمذهبي الوقت الكافي لكي يصبح التفكك على مستوى الاجماع العربي والإسلامي أمراً واقعاً”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الصراع هو بين إرهاب الاسلاميين وإرهاب السلطات

والمغزى مما ورد كما يستنتج السيد الأمين انه “منذ البداية أردت أن أشير إلى أن العالم ليس صحيحاً أنه يجتاز مفصلاً جديداً ويدخل مرحلة جديدة مختلفة عما كانت في السابق، إذ أن ما يجري الآن هو امتداد لسياسة الاستعمار السابق ولكن بشكل مختلف، أما في الجوهر فالأمر واحد، ولا يوجد عولمة حقيقية لأن من شأن عولمة حقيقية أن تقيم جداراً فاصلاً بين المرحلة السابقة في التاريخ المعاصر والمرحلة المستجدة وأن تقوم صيغ جديدة في علاقات الدول مع بعضها الآخر تختلف عن الصيغ السابقة، وهذا الأمر لم يحصل”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا شرعية للحروب الابتدائية في الإسلام

وفي سؤاله بالنسبة لمقولة الفيلسوف فوكوياما حول نهاية التاريخ، يجيب السيد الأمين “ان هذه النظرية التي اتت لتؤرّخ هزيمة للنظام الشيوعي أو الاشتراكية لصالح الرأسمالية التي أنهت حركة التاريخ وأوصلته إلى شاطئ الأمان حيث الاقتصاد الحر وحقوق الإنسان واحترام الملكية الخاصة والديموقراطية، إنها رؤية أقل ما يقال فيها أنها مثالية، إن لم تكن مخادعة، من أجل تكريس نظرية واحدة ورؤية واحدة وإخضاع العالم كله إلى موجبات هذه النظرية التي سيكون الاقتصاد الأميركي الرأسمالي هو المسيطر على هذا العمل في النهاية. لذلك نحن لا نؤمن بمقولة فوكوياما بنهاية التاريخ، ووفق رؤيتنا الفكرية وحتى الدينية، نقول انه لا يمكن أن يكون هناك نهاية للتاريخ أبداً، الذي لن يتوقف عن الحركة الدؤوبة إلا بنهاية الإنسان، أما على المستوى العملي، فواضح بطلان هذه النظرية، ووضوح هذا البطلان يظهر في مزيد من الحركات والتطورات في السعي إلى حماية الهويات المختلفة كما الرفض الواضح للقبول بالانموذج الأميركي بوصفه الذي يجسد المثال والقدوة لجميع شعوب العالم”.

السابق
ريفي يطالب رسمياً بطرد السفير السوري وحل الحزب العربي الديموقراطي
التالي
موسكو قد تراجعت والاتفاق فشل.. ولقاء هامشي بين بوتين وأوباما