«مجاهدو خلق»… ورحلة الدم الايراني المسفوك قمعا وثأرا (1)

مجاهدو خلق
من هم مجاهدو خلق؟ ومتى تشكل تنظيمهم الحديدي الذي حوى عقيدة فريدة من نوعها تجمع بين الماركسية والاسلام؟ وكيف ثارت المنظمة ضدّ حكم شاه ايران، وضد حكم الامام الخميني الذي قمعها وصولا الى خروج قياداتها الى المنافي؟

منظمة “مجاهدو خلق” الإيرانية أو “مجاهدو الشعب”، هي الحركة التحررية الأولى في إيران التي طبقت مبدأ الإسلام الثوري، مستلهمة ثورة الإمام الحسين ضد السلطة الأموية، لكنها تبنت في الوقت ذاته بعض المفاهيم الماركسية كمعاداة الرأسمالية والنضال من أجل تحقيق مجتمع بدون فوارق اجتماعية وغيرها، وتعتبر المنظمة الدينية الوحيدة التي جمعت علنا بين الماركسية والإسلام.

اقرأ أيضاً: إيران تعتدل أو «تحترق»!

أسسها مجموعة من المناضلين الثائرين ضد الشاه الإيراني المخلوع محمد رضا بهلوي، من بينهم: محمد حنيف نجاد، سعيد محسن وعلي أصغر بديع زادكان، الذين كانوا أعضاء في حزب “الجبهة الوطنية الثانية”، إضافة إلى عضو حزب “نهضت آزادي” عبد الرضا نيكبين رودسري.

ظلت المنظمة تعمل سرا حتى العام 1965، تاريخ صدور أول بيان يعلن عن هيكليتها والتنظيمية والسياسية وهدفها المتمثل باسقاط النظام الملكي البهلوي واستعادة حرية إيران وديمقراطيتها، الأمر الذي جعلها هدفا استراتيجيا لجهاز الاستخبارات الإيرانية “سافاك” وأدى إلى سجن قادتها الأوائل وتنفيذ أحكام الإعدام بحقهم.

المعارضة الايرانية

بعد سقوط الشاه وانتصار الثورة في إيران، عهدت قيادة المنظمة إلى أهم شخصيتين مؤثرتين في تاريخها كما سيتبين لاحقا، هما: موسى خياباني ومسعود رجوي، اللذان كانا شابين متحمسين، واستطاعا بفضل شخصيتيهما المؤثرتين أن يجذبا إلى المنظمة مختلف شرائح الشعب الإيراني، فتوسعت قاعدتها الشعبية.

استقطبت المنظمة في اول أيام الثورة فئة الشباب، خصوصا ذوي الميول اليسارية، والمعترضين على اجتياح “العمامات” للثورة ومراكز الحكم، مما جعلها تصطدم برجال الدين المتصارعين على الفوز بالسلطة، الذين سرعان ما تغولوا وسيطروا على الثورة والدولة، مستبعدين كل الأحزاب الوطنية والقومية والشيوعية واليسارية، ناكرين الأدوار التي لعبتها إبان حكم الشاه وإبان الثورة.

عرفت منظمة “مجاهدي خلق” في بدايات تأسيسها أنها منظمة شبه عسكرية، إلا أنها تبنت مبدأ الكفاح المسلح ضد استبداد الشاه في بعض المحطات، أما العسكرة الحقيقية للمنظمة فلم تحصل إلا بعد انتصار الثورة.

بعد عزل رئيس جمهورية الثورة أبو الحسن بني صدر أثر الخلاف السياسي الحاد الذي نشب بينه وبين مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، مما فجر أزمة سياسية عاصفة، زعزعت أركان الحكم الجديد، خرج أنصار المنظمة في تظاهرات ضخمة للتعبير عن اعتراضهم على مصادرة الثورة من قبل رجال الدين في حزيران 1981.

هتف المتظاهرون وقتها ضد الإمام الخميني حصرا، الذي كان قد وعد الشعب الإيراني بإبعاد رجال الدين عن الحكم لكنه نكث بوعده، ورضخ لبعض الوشاة الذين أقنعوه أن بني صدر لا يريد الحرب مع العراق، فعزله، في حين قررت المنظمة استنادا إلى قواعدها الشعبية المشاركة في المظاهرات، والضغط في الشارع من أجل استرجاع ما سلبه رجال الدين، وانطلاقا من خبرتها المحدودة في المقاومة المسلحة، قررت لاحقا، بعد تكاثر الخلافات وتباين الآراء حول شكل الحكم وبعض بنود الدستور، العمل على إسقاط النظام الإسلامي بقيادة الخميني، الذي انبثق عن انتصار الثورة، وقد استغلت المنظمة الفوضى أو الصدمة التي أحدثتها الحرب العراقية – الإيرانية، فبدأت بتنفيذ عمليات تفجير واغتيال وهجمات مسلحة في المدن كافة وبالأخص في العاصمة طهران، موجهة ضربات قاسية للثورة الخمينية، كما اتصلت فيما بعد، برئيس النظام العراقي صدام حسين، الذي استضاف مجاهديها وخصص لهم معسكرات على مقربة من الحدود مع إيران، منها معسكر أشرف الشهير، وقد شارك “المجاهدون” الجيش العراقي في العمليات والمعارك العسكرية، التي شنها على مدى ثمانية أعوام ضد الجمهورية الإسلامية، إضافة إلى توغلهم أكثر من مرة داخل الأراضي الإيرانية في عمليات عسكرية سريعة.

في الأدبيات السياسية الإيرانية تسمى منظمة “مجاهدي خلق” منظمة “منافقي خلق”، وعدا تهم الفساد والتآمر وخيانة الوطن والإرهاب، يعيب عليها إسلاميو إيران “ماركسيتها”، التي لا تنكرها هي بدورها.

عرفت المنظمة في بداياتها باسم “منظمة التحرير الإيرانية”، مؤسسوها الأوائل أكدوا مرارا أنهم لم يطلقوا عليها أي اسم أو تعريف، إنما كانوا يكتفون بتسميتها “المنظمة” فقط. القائدان المؤسسان حنيف نجاد وسعيد محسن، أوضحا هذه النقطة في مقابلات أجريت معهما سابقا، فكلاهما أجمعا أن “حزبنا لا اسم له، نحن نطلق عليه اسم منظمة من باب التعريف. نحن لم نتخر اسما محددا للمنظمة، لم تكن منظمتنا بحاجة إلى تعريف أو إعلان، كنا نعمل سرا، لذلك لم يكن هناك سببا لتسميتها، فلا هي منظمة التحرير ولا هي منظمة المجاهدين”.

اعترف حنيف نجاد لاحقا، أنه خلال أحداث 5 حزيران 1963 الشهيرة، التي تعتبر الشرارة الأولى للثورة، أن المنظمة اختارت العنف المضاد أو اضطرت إلى استخدامه رداعلى العنف الذي مارسته الأجهزة الأمنية الشهانشاهية ضد المتظاهرين العزل. أما سعيد محسن فقد اعترف أن السادية والوحشية التي تعامل بها النظام مع المظاهرات السلمية الشعبية في أحدث حزيران الشهيرة، دفعتني إلى الاقتناع بضرورة المواجهة بالمثل.

حنيف نجاد

بعد اعتقال قادة حزب “نهضت آزادي” من بينهم مهدي بازركان ومحمود طالقاني، قرر الشبان المنتمون إلى المنظمة، بمباركة من القيادة العليا، البدء بحرب العصابات، وفعلا بدأت أولى العمليات العسكرية ضد مراكز أمنية على كامل التراب الإيراني، قابلتها الحكومة الملكية بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضين كافة، خصوصا في صفوف المنظمة، فتم اعتقال 13 كادرا من كوادرها، أعدم منهم 12 شخصا، دون محاكمات، أما الشخص الثالث عشر الذي نجا من الإعدام وبقي في السجن حتى انتصار الثورة، فهو مسعود رجوي ذاته، الذي أصبح لاحقا رئيسا للمنظمة.

لمع في تاريخ المنظمة اسم رضا رضائي، الذي كان مجاهدا فعليا، وقائدا لعدد من العمليات العسكرية الناجحة، وقد تمكن من الفرار من السجن، بطريقة دراماتيكية، بعد نجاحه من الهروب من السجن، قاد العمليات العسكرية لمدة سنتين متتالتين، حيكت عنه الكثير من قصص البطولة والشجاعة وتأثر بشخصيته الوجدان الشعبي الثوري، فسمي “الرجل الذي أرق النظام”، إضافة إلى ذلك، فقد حظي رضائي بدعم الكثير من المفكرين الإيرانيين ورجال الدين الشيعة، وتقبلوها كمنظمة ثورية إسلامية، تتماهى معتقداتها مع معتقداتهم الدينية الأصولية.

اسم آخر برز في تاريخ المنظمة، لكن في سياق مناقض، هو تقي شهرام، الذي أحدث انقلابا أيديولوجيا داخل المنظمة، ففي العام 1975، تمكن شهرام هو الآخر من الفرار من سجن مدينة ساري في شمال إيران. كان شهرام ماركسيا قبل انضمامه إلى المنظمة، لكنه رغم إخلاصه لها ولخطها، ظل يحن إلى جذوره الماركسية. فقاد داخلها ما يشبه حركة تصحيحية، تقوم على إمكانية الجمع بين الماركسية والإسلام، لكنه جوبه بعدد من المعترضين الذين فضلوا الحفاظ على الوجه الإسلامي للمنظمة، وقد تصدى له مسعود رجوي معتبرا ما صرح به محاولة انقضاض على مبادئ المنظمة، ودعوة إلى الانشقاق، وعلى خلفية التعارض في وجهتي النظر هاتين، شهدت المنظمة مواجهات دامية بين الطرفين، أدت إلى مقتل عدد من الأفراد والكوادر وعمليات اغتيال متبادلة.

مجاهدو خلق

بعدما وضعت الحرب الإيدولوجية أوزارها، حاصدة أرواح الكثرين، أقر المعارضون لشهرام، أن القناعات الدينية للمنظمة، لا تتعارض مع بعض مبادئ الماركسية، خصوصا العدالة والمساواة ومعاداة الإمبريالية والاستبداد والاستعمار والرأسمالية وحرب الفقراء ضد الأغنياء. التعديل الإيدولوجي أضعف موقف المنظمة أمام ثائرين آخرين وخصوصا رجال الدين من قادة الثورة، فصدرت فتوى بنجاستهم وتكفيرهم، وحذروا السجناء الإسلاميين في سجون الشاه من مشاركتهم أكلهم وشربهم ومصافحتهم.

اقرأ أيضاً: من أسوء إيران أو داعش؟

لاحقا أعدمت محكمة الثورة الإسلامية شهرام، الذي كان قائد هذا التحول في تاريخ منظمة مجاهدي خلق.

 

السابق
فتوى أزهرية: يجوز الاستمتاع بغير المسلمات كما الاستمتاع بالزوجات لإذلالهن
التالي
السلطة تلغي جوازات سفر ممنوحة لشخصيات في المعارضة السورية