القاعيون والتحدي الكبير…هل ستحميهم الدولة؟

ما قبل التفجيرات الانتحارية لن يكون كما بعده، فأمام القاعيين تحديات جمة وعدو اليوم ليس كعدو الأمس، فالمواجهة والحرب الآن هي مع فكر ارهابي وأشخاص مأدلجين يعتبرون الموت والقتل واجباً جهادياً و باباً للدخول الى الجنة.

ليل السابع والعشرين من حزيران كانت القاع، تلك القرية الكاثوليكية التي تقع في أقاصي البقاع الشمالي للبنان والمتاخمة للحدود السورية، تتحضر للاحتفال بقداس الهي بمناسبة مرور 38 عاماً على المجزرة التي ارتكبتها المخابرات السورية في 28 حزان 1978 بحق 15 شاباً قاعياً ينتمون الى حزب الكتائب اللبنانية. لكن يد الغدر والارهاب امتدت الى القاعيين مجدداً لتطالهم في أرواحهم.

ففي فجر السابع والعشرين من حزيران استفاق الأهالي على دوي انفجار نفذه انتحاري فسارع سكان الحي ليتفقدوا المكان المستهدف ويؤمنوا المساعدة، هرع بولس بسرعة في سيارة الاسعاف وبكل نخوة لينقذ الجرحى لكن الموت كان أسرع منه فما إن وصل حتى حصل تفجير انتحاري ثان أرداه أرضاً وتوالت التفجيرات فكان الثالث ولرابع أما الحصيلة فهي استشهاد 5 اشخاص هم بالاضافة الى بولس، جورج، ماجد، جوزيف، فيصل بالاضافة الى حوالي 15 جريحاً.

حالة من الهلع والخوف سادت القرية واستقدمت تعزيزات أمنية مشددة لكن المأساة لم تقف عند هذا الحد، فعند المساء وأثناء قيام الأهالي بتجمع تضامني مع ذوي الضحايا فجّر أربع انتحاريين أنفسهم أمام كنيسة مار الياس حيث التجمع فسقط الكثير من الجرحى من دون تسجيل اية خسارة في الأرواح.

لم يشيّع الشهداء في اليوم التالي بسبب الوضع الأمني المزري وخوفاً من تصاعد وتيرة الارهاب فأرجئ المأتم الى التاسع والعشرين من حزيران, وودع الشهداء وسط حال من الحزن والغضب العارم وبحضور حشد شعبي كبير وعدد من الشخصيات السياسية، الأمنية، والدينية البارزة. لكن ما ان انتهت مراسم الجنازة حتى خلت الطرقات من الجيش اللبناني ومن الناس الذين لازموا منازلهم بحذر شديد أما بعض الشباب المتحمس فحمل السلاح بشكل عفوي لتأمين سلامة القاعيين.

منذ بدء الثورة السورية، جهد القاعيون في اقامة المؤتمرات وزيارة السياسيين من أجل التدخل لحل مشكلة اللاجئين السوريين القاطنين في مشاريع القاع والذين ناهز عددهم ال 27 ألف نسمة فكان الخوف من أن يؤمنوا بيئة حاضنة للارهاب أو ان تضم مخيماتهم محاربين شاركوا في الحرب السورية اما الى جانب النظام السوري أو الى جانب الثوار، وهذا الأمر ممكن أن يجر الويلات الى القاع ويدخلها في أتون الحرب السورية ويهدد وجودها. هذا عدا المشكلات الناجمة عن تزايدهم الديموغرافي وتحميل شبكة الكهرباء أكثر مما تحمل مما ينعكس سلباًعلى أعمال القاعيين وحياتهم اليومية.

بلدة القاع

بعد الحادثة المؤلمة كثرت التحاليل السياسية، بعضهم اعتبر ان القاع غير مستهدفة بحد ذاتها وأنها مجرد ممر للارهابيين، بعضهم ربط التفجيرات الارهابية بالحرب السورية وأنها بمثابة رد على تدخل حزب الله العسكري الى جانب النظام السوري، أما البعض الأخر فقد ذهب أبعد من ذلك في تحليله وتخوف من أن يكون هناك مخطط لتهجير القاعيين من قريتهم تمهيداً لسيطرة الحركات الأصولية المتطرفة عليها.

تعددت الأسباب والتحاليل لكن النتيجة واحدة، قرية بأكملها غرقت في السواد ولا زالت حتى الساعة تلملم أشلاء الانتحاريين عن الطرقات. لا يهم من قام بالتفجير وما هي ذرائعه فالعائلات تفككت، وامتلأت الأزقة بدموع اليتامى والثكالى وأنين الجرحى الذي وصل الى أذني الله.

إقرأ أيضاً: حزب الله إلى جرد القاع.. ونصرالله: «رجالي بتصرّفكم»

ما حصل قد حصل، لكن المستقبل في أعين القاعيين بات ضبابياً مكدراً، أيتركون قريتهم بعد أن ترعرعوا فيها وامتزج ترابها بعرقهم وتعبهم؟ أيغادرونها وهي التي تشهد مدافنها بطولاتهم حيث يرقد الشهداء؟ أيتركون تلة السيدة التي باتت مقصداً لكثير من الحجاج؟ أيفرّطون بما ورثوا عن الأجداد من شجاعة وبسالة في الدفاع عن الأرض والهوية؟

مطلب القاعيين واحد وهو أن تقوم الدولة مع أجهزتها الأمنية بتأمين الحماية لهم، فالقاع كانت ومنذ زمن بعيد خزاناً للجيش اللبناني وقدمت الكثير من الشهداء قرابين على مذبج الوطن، لذلك يبقى رهان أهاليها فقط على قدرة الجيش اللبناني على بسط سيطرته بالكامل واعطائه غطاءً سياسياً من أجل الضرب من حديد والتصدي لأي خرق أمني ممكن أن يؤدي الى عمليات انتحارية مماثلة في المستقبل.

كما يطالب القاعيون بتنظيم حركة النازحين السوريين ونقلهم الى مكان آخر خارج البلدة او اعادتهم الى الداخل السوري حيث توجد منطقة آمنة.

عانت القاع الكثير من الحرمان على مر السنوات خاصةً في البنى التحتية، فلا يوجد فيها مستشفيات ومستوصفات حديثة مجهزة، لا كهرباء، لا ماء، لا جامعات، لا فرص عمل، فالقاعيون يعتمدون فقط على الانتاج الزراعي وبعض المهن الصغيرة التي لا تؤمن أبسط حقوق العيش بكرامة.

إقرأ أيضاً: الطائفي والديني في القاع

بالرغم من هذا الاجحاف كله من قبل الدولة، بقي القاعيون في أرضهم وصمدوا، وبالرغم من الهجومات والمجازر التي تعرضوا لها أبوا أن يغادروا قريتهم متسلحين بالايمان وبالمحبة الكبيرة التي يحملونها في قلوبهم تجاه قريتهم.

ما لم يتوقعونه يوماً هو أن مشاهد الانتحاريين التي شاهدوها عبر التلفاز في أماكن مختلفة في العالم ستحصل أمام أعينهم وتتحول الى واقع مرير صادم.

هل سيستسلم القاعيون للارهاب أم سينتصرون عليه ويصمدون؟

الأسئلة كثيرة أما الجواب فسترسمه الأيام المقبلة وان غداً لناظره قريب……

السابق
«حزب الله» يزيد عدد مقاتليه في سوريا ولا سيما حلب
التالي
بالفيديو: هكذا ردّ حزب الله على تفجيرات القاع