مشاهدات من داخل قلم الاقتراع: هكذا يهان الكبار وهذه مدارسنا الرسمية

لم استطع تمرير تجربة مشاركتي في ادارة عملية الاقتراع بالانتخابات البلدية مرور الكرام دون تسجيل ملاحظات وتدوين مشاهدات، رغم انها لم تكن التجربة الاولى لي.

تبدأ الرحلة بتبليغ خطّي رسمي من الجهة الرسمية يذكر اسمي واسم المحافظة واسم القضاء الذي سأحلّ عليه ضيفة نهار الانتخابات، كلمات معدودة تلزمني الحضور مرافقة لجملة “من يتخلّف عن الحضور يغرّم بدفع مبلغ مليون ليرة او شهر سجن”.
في اليوم الذي يسبق الانتخاب، علينا التواجد منذ الصباح الباكر في المركز المحدد في المحافظة المعنية لتسليم صناديق الاقتراع، وهنا يلعب الحظ دوره في المنطقة او البلدة التي سيكون قلم الاقتراع الذي يجب ان يتواجد فيها.
المشهد هنا هو نفسه في كافة المحافظات والأقضية، الأساتذة والاداريون في القطاع العام بالمئات يتجمعون في باحة المركز ينتظرون دورهم للحصول على الصندوق، المهم ان نكون شخصين رئيس القلم والكاتب. وكما معروف عن اللبناني احترامه للنظام وتطبيق القوانين، تعم الفوضى وتعلو الأصوات وتحصل المشادات الكلامية سواء بين الحاضرين انفسهم او بين الحاضرين والقوى الأمنية التي تحاول جاهدة ودون جدوى المحافظة على النظام. أما بالنسبة للواسطة والمحسوبية فحدّث ولا حرج.
نستلم الصندوق، نوقّع ونتنفّس الصّعداء أخيراً ونقصد مركز الاقتراع الذي غالباً ما يكون مدرسة رسمية، وما أدراك ما المدرسة الرسمية في بلدي. بناء قديم، صفوف صغيرة غير مرتبة، طاولات نادراً ما تجد بينها واحدة غير مكسورة او نظيفة، ومقاعدٍ مزعجة متعب الجلوس عليها لنصف ساعة فكيف لساعات.
يرافقني وزميلتي هذه المرة الى مركز الاقتراع دركي مسؤول عن حمايتنا والصندوق. ويسبقنا الى المركز تلفزيون وكاميرا وستائر الهدف منها المحافظة على سرية التصويت للناخب.
نرتب قلم الاقتراع، نجهز مقاعد المندوبين، ونفرغ محتويات الصندوق لنلصق اللوائح خارج الغرفة وننهي التفاصيل. تأخذ هذه العملية بحدود الساعتين او اكثر. بعدها نخرج تاركين رجل الأمن حارسا للغرفة، وعلى وعد العودة في صباح اليوم التالي لمباشرة عملية الاقتراع .

الانتخابات البلدية
عند الساعة السادسة صباحاً نفتح القلم، نستقبل المندوبين، نحجز بطاقات المندوبين الثابتين وهم بمثابة شهود على فرز الأصوات نهاية النهار الانتخابي الطويل ونستعد لانطلاق العملية.
تبدأ بتثبيت اقفال الصندوق، وها هي الناخبة الأولى تدخل القلم. نعطيها التعليمات اللازمة وتنتخب.
ضجيج المندوبين الجوالين في الخارج هو أكثر الأمور ازعاجاً وإثارة في هذا النهار، فوجودهم يضفي على المكان جواً من الحماسة والمرح والعصبية والتحدي . يروحون ويجيئون حاملين القهوة والماء والطعام واللوائح ومرافقين لناخبين يقودونهم ممسكين بأيديهم ومتمتمين بعبارات وكلمات حفظها الناخب عن ظهر قلب، اللائحة كاملة، الورقة الزغيرة للمخاتير والكبيرة للبلدية، ما تضيّعي! سمعت احدهم يقول للناخبة “ ما تعملي متل ما عمل سعد”… وكل ناخبة مؤيدة للائحة الاساسية الأكثر منافسة تخرج من خلف الستار حيث سرية الاقتراع وتقول ” زي ما هيي وتعود لتصححها فتقول متل ما هي، لأن زي ما هي مش لإلنا وتضحك ضحكة تحمل الكثير من المعاني”.

إقرأ أيضًا: كفررمان تستعيد «كفرموسكو» وتخوض المعركة البلدية مقابل الثنائية
لفتني العديد من الحالات التي وجدتها غير إنسانية. منها امرأة تعاني من الزهايمر وأخرى لا تستطيع التنقل بسهولة وغيرهم من المرضى ذكورًا وإناث ممن لا يليق بهم هذا المكان فمكانهم هو سرير دافئ . هؤلاء النساء والرجال غيرالمهتمين بالانتخابات ولا بالبلدية ولا بالبلد ككل، والمهين أنهم لا يملكون القرار فيما يخص أصواتهم أو لمن يريدون الإدلاء به.
شعرت بمدى استغلال المرشحين لهم لحد اقتيادهم اما محملين او يرافقهم مندوبين عن المرشحين للاستحواذ على أصواتهم ضاربين عرض الحائط بأوضاعهم وحالاتهم الصحية، حيث يبقى المقعد البلدي هو الهدف والفوز هو الأهم اما الوسيلة فمهما تكن مشروعة.

إقرأ ايضًا: الانتخابات البلدية في البيرة- عكار: محاصصة وكيدية و «بكوات»
ينتهي النهار الانتخابي الطويل، وتحين ساعة إغلاق القلم وفتح الصندوق. هنا تتوقف كل المجاملات، وتختفي الوعود، والمرشح واتباعه بعد ان كانوا يركضون وراء الناخبين تصيبهم حالة من العصبية والقلق والغضب فيخلعون عن وجوههم قناع المرشح الخدوم المحب ليظهر وجهه الحقيقي( وهنا لا اقصد الذمّ ولا المدح ).
خلال عملية الفرز ، استرق النظر الى وجوه المندوبين لأرى تفاعلهم مع الأسماء المقروءة، فألمس فرحة نصر هنا، وغضب مكبوت هناك، ومع تكرار اسم ما اسمع صرخة صغيرة ولكن صداها عميق في داخل المندوب، وارى نظرات التحدي ، واشارة غيظ ولمحة حزن، وتظهر خيبة تصيب احد المندوبين.

السابق
جو معلوف وإعلام حزب الله: صورة واحدة ..
التالي
لـ «نجل» الوزير اللبناني أربعة أعراس..