الاحتلال الحلال … والاحتلال الحرام !

جنود
في فقه الحلال والحرام، ثمة حتمية لا تقبل الشك أو التأويل، وهي في الوقت ذاته لا تخضع لمنطق التحوّلات الزمانية ولا المكانية، بمعنى أن الحلال لا يمكن أن يكون حلالاً في لبنان، وحراماً في تنزانيا، وكذلك الحرام لا يمكن أن يكون حراماً اليوم، ويصبح حلالاً غداً.

بين صور التغربة والتشريد الفلسطيني الذي بدأ عام 1948، وصور التغربة والتشريد السوري الذي بدأ عام 2011، خيط رفيع، فالأولى كانت بالأبيض والأسود، فيما تُوثّقُ الثانية “وتؤرشف” بكل الألوان، وعلى رأسها الأحمر، لون الدم المسفوك.

ولكن الخيط الرفيع الذي يفصل بين المشهدين الكئيبين، يحفل في طياته بالكثير من فتاوى الحلال والحرام، فبينما لا يحق وفق مذهب أهل “المقاومة و”الممانعة” لـ “إسرائيل” وعصابات “الهاغانا” الصهيونية الإرهابية، أن تشرّد وتقتل وتذبح الفلسطينيين، يحق (وفق نفس المذهب) لنظام الأسد، وعصابات “حزب الله” الإرهابية، والميليشيات الشيعية القادمة من العراق وإيران وباكستان وأفغانستان، أن تشرّد وتقتل وتذبح السوريين كما يحلو لها، تارة باسم الله، وطوراً باسم الحسين المظلوم، وثالثة بزعم حماية المقدسات والمراقد.

إقرأ أيضاً: حزب الله يضاعف عدد سراياه في العرقوب: غاب المستقبل… إلعب يا حزب الله (1/3)

بين صور أهل الجنوب والضاحية الهاربين بالأمس من بطش العدو، وصور أهالي القُصير وحمص والزبداني ومضايا وداريا ودوما الهاربين اليوم من بطش العدو أيضاً، ثمة فرق بسيط جداً من حيث الشكل، وكبير جداً من حيث المضمون، فالعدو في الأولى كان صهيونياً لا يتكلم العربية، فيما العدو في الثانية ليس عربياً فحسب … بل مسلماً أيضا!

يا لسخرية القدر، بالأمس هرب الجنوبيون من جحافل الجيش الإسرائيلي إلى الزبداني ومضايا ومئات القرى السورية الأخرى، واليوم يرسل الجنوبيون أنفسهم، شبابهم لتهجير أهالي الزبداني ومضايا من منازلهم وأرضهم، متقمصين طوعاً وعن سابق إصرار وتصميم، دور المحتل، الذي عانوا من جرائمه ومجازره لسنوات وسنوات.

حزب الله في سوريا

حبذا لو يخبرنا “مقاومو” الأمس، محتلو اليوم، ما الفرق بين “حزب الله” و”الهاغانا”، واستراتيجية كليهما تقوم على القتل الجماعي لدفع السكان الأصليين إلى الهجرة، ثم تأتي بمستوطنين بهدف تغيير النسيج الديمغرافي. ما حصل في “الست زينب” نسخة قد تكون أكثر عنفاً من سياسات تهويد القدس والخليل وعموم الضفة الغربية. يوم خرج اللاجئون الفلسطينيون نحو مخيمات الشتات، بأعداد أقل بكثير، وظروف أكثر إنسانية من مخيمات الشتات السوري.

إقرأ أيضاً: رد على “حزب الله يضاعف عدد سراياه في العرقوب”: لم يشهد أيّ حادث مذهبي

حبذا لو يخبرنا هؤلاء، ما الفرق بين النكبة الأولى (فلسطين)، والنكبة الثانية (سوريا)، ما الفرق بين ما فعلته “إسرائيل” في فلسطين، وفي جنوب لبنان، وفي كل شبر عربي طيلة العقود السبعة الماضية، وبين ما يفعله “رجال نصرالله” في شوارع وأزقة بيروت، وفي المدن والبلدات السورية، وفي أحياء العراق واليمن والبحرين والكويت ؟!

الحصار على مضايا
الحصار على مضايا

ألا يدرك هؤلاء أن قادة جيش الاحتلال باتوا يتباهون اليوم بـ “إنسانيتهم”، مقارنة بوحشية وهمجية وبربرية الأسد ورفاقه “المقاومين”، الذين برعوا في فنون حصار المدنيين، وتدمير المساجد واغتصاب النساء، وإذلال الشيوخ وتجويع الأطفال.

في فقه الحلال والحرام، ثمة حتمية لا تقبل الشك أو التأويل، وهي في الوقت ذاته لا تخضع لمنطق التحوّلات الزمانية ولا المكانية، فما شهدته فلسطين بالأمس احتلالٌ كامل الأوصاف، وما تشهده سوريا اليوم احتلالٌ لا غبار عليه، بصرف النظر عن هوية وديانة وقومية وحجة المحتل في كلا النطاقين … زمانياً ومكانياً.

إقرأ أيضاً: هل يتحوّل زواج المتعة الى دائم بين «القوات» و«التيار»؟

باختصار، واهِمٌ من يعتقد أن الأرض لن تعود لأصحابها، واهِمٌ نصرالله إذا اعتقد كما يعتقد قادة الاحتلال، بأن أهالي صفد وحيفا ويافا وعكا، وأهالي حمص والقصير والزبداني ومضايا لن يعودوا إلى ديارهم، ولو بعد حين!

السابق
هل سيُثبَّت سعر صفيحة البنزين عند الـ«20 ألف ليرة»؟
التالي
سوريا الطريحة: أصدقاؤها باعوها وسلّموا صك اغتصابها