لماذا تحوّلت تركيا لساحة مواجهة دموية؟

منذ ما بعد اندلاع الثورة السورية، سقطت نظرية مهندس السياسة الخارجية والإستراتيجية لتركيا وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، المتلخصة بسياسة تصفير المشاكل، وكانت نجحت هذه السياسة على مدى عشر سنوات، وتصدّرت تركيا فيها أولى الإقتصادات العالمية، ودخلت في مجموعة العشرين، لكن ما بني يقضم شيئاً فشيئاً. حتى صورة الرئيس رجب طيب أردوغان لم تعد متوهجة كما كانت، لا تركياً ولا عربياً ولا حتى سورياً.

بالعودة إلى الذاكرة حول الأشهر الأولى من الثورة السورية، صرّح أردوغان بأنه لن يسمح للأسد بتحويل ما يجري إلى حمام من الدم، ولن يسمح له تكرار ما فعله والده في حماه في العام 1982، يستمر حمام الدم منذ خمس سنوات، وأردوغان لم يفعل شيئاً، أكثر من الحديث عن المنطقة العازلة أو الآمنة ولم ينجزها، فلعب على الديماغوجية الشعبوية، والخطب الرنانة بهدف التودد إلى الجمهور، ما أنتج له الكثير من المشاكل مع الدول المجاورة له، مع إيران، مصر، روسيا، العراق، اسرائيل، وحتى مع السعودية، خسر نظريّة تصفير المشاكل، ودخل في دوامة التراجعات والاهتزازات.

كانت الإنتخابات ما قبل الإعادة خير رسالة على تغير المزاج الشعبي التركي، مع صعود نجم الكتلة الكردية في البرلمان، في انتخابات الإعادة تحسن وضع أردوغان لأسباب تتعلق بجملة أمور إقتصادية، وعبر استمالة المزيد من الرأي العام على خلفية دخوله لضرب داعش والأكراد، لكن ذلك جلب نتائج عكسية على حكم السلطان.

إقرأ أيضاً : نفط «داعش» يفضح أردوغان وبوتين والاسد

عملياً، فإن تركيا اليوم هي ساحة من ساحات الحرب، ما بين داعش، النظام السوري، والاكراد المتمثلين بحزب العمال الكردستاني، وفي وقت يجتمع العالم كله على “إرهاب واحد” فإن لدى تركيا أردوغان على الأقل ثلاثة أنواع وأشكال من الإرهاب، داعش، النظام السوري، وحزب العمال الكردستاني.

وليس الإنفجار الذي هز وسط اسطنبول اليوم، سوى خير دليل على أن تركيا أصبحت في عمق حلبة الصراع، بالتوازي مع الحرب التي يخوضها أردوغان ضد الاكراد في تركيا، وخارجها في سوريا والعراق، بالإضافة إلى حربه السياسية والإقتصادية مع روسيا.

أبعد من ذلك، في السنوات الأخيرة اهتزت علاقة تركيا بحلفائها، فالتوجهات التركية باتت تختلف عن التوجهات الأميركية منذ مدة، سقطت خلالها مفاعيل وجودهما معاً في حلف شمال الأطلسي، وفي وقت يتصاعد الصراع التركي الروسي، فإن العلاقات الروسية الأميركية في اوج أيام تنسيقها، وفي وقت تحارب تركيا الأكراد، فهم يتلقون الدعم من واشنطن، الاختلاف السعودي التركي واضح حول سوريا، والسعودية كانت إحدى أبرز الدول المعارضة لإقامة تركيا لمنطقة عازلة، فلا تريد السعودية منح أردوغان هذا الإنتصار كي لا يصبح منافساً لها على الساحة العربية والسنية، حتى مع إيران وعلى الرغم من التفاهم الإقليمي نوعاً ما، لا يخلو الأمر من الإختلافات والخلافات.

إقرأ أيضاً : تركيا أقرب الى إيران من السعودية!!

وعليه، فإنه من خلال وضع التفجير الذي وقع في اسطنبول في سياقه الطبيعي، يصبح بالإمكان إستنتاج الرسائل والخلفيات من ورائه، خصوصاً أنه وقع في ساحة لها رمزيتها والدينية المتمثلة بالجامع الأزرق وكنيسة آياصوفيا، وبالتالي فإن الهدف الاول ضرب السياحة التركية، والثاني ياتي مع الإعلان بأن داعش وراء الهجوم ومنفذه انتحاري سوري، يأتي بعد فرض تركيا تأشيرات لدخول السوريين إلى أراضيها، وبعد موقف أردوغان الرافض لإقفال حدوده، كما انه يمكن ربط ما جرى، بالإشتباك الروسي التركي، وبالإختلاف التركي الإيراني حول الموقف من السعودية، إن على خلفية تصريح اردوغان المتضامن مع السعودية ضد طهران على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر، أو قد يكون رسالة أبعد لها علاقة بالحلف الإسلامي لمحاربة الإرهاب والمجلس الإستراتيجي المشكل حديثاً بين تركيا والسعودية.

جامع السلطان أحمد
جامع السلطان أحمد

ثلاثة أمور يمكن ربطها ببعضها إثر تفجير اليوم، التلاقي الروسي الإيراني مع داعش على حصول هذا التفجير لإيصال رسائل متعددة، كما يمكن وضعه في إطار الضغط على اردوغان لإقفال حدوده امام السوريين لوقف اللجوء إلى اوروبا بالترابط مع التلويح باستعداد تركيا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا كله لا ينفصل عن معارك تركيا مع الأكراد إن داخل أراضيها أو على حدودها ما بين سوريا والعراق، والإختلاف في وجهات النظر التركية الأميركية، لا سيما أن الاكراد يقتطعون مناطقهم على الحدود التركية بدعم أميركي وعلى مرأى العالم، وهذا ما يشكل خطراً على الأمن القومي التركي، وحتى يهدد وحدة الأراضي التركية على المدى البعيد.

السابق
احذروا من عاصفة ثلجية الأسبوع القادم…
التالي
اللحظات الأولى لانفجار اسطنبول…