عندما دعا الأمين العام لحزب الله الى تسوية داخلية تحت سقف الطائف قبل شهر، كان يدرك ان العماد ميشال عون هو عقدة اساسية امام اي تسوية. فالسيد نصرالله يعلم حين قال ان التسوية تتطلب تنازلات متبادلة، وان عقدة الجنرال عون التي عطلت الرئاسة لعام ونصف العام لا يمكن ان تستمر حين التسليم بضرورة التسوية، اذ ليس من المنطق ان تكون التسوية هي تسليم بمطالب قوى 8 آذار.
فعندما بادر الرئيس سعد الحريري الى تسمية سليمان فرنجية كمرشح يقبل به للرئاسة الاولى، وفي هذه الخطوة المفاجئة والصادمة لجمهوره، كان يقول لقوى 8 آذار ان هذا “اقصى ما يمكن ان اذهب اليه”. ولم يخطر في بال احد ان 8 آذار يمكن ان ترفض هذه التسوية التي تجعلاحد اقطابها رئيسا للبلاد.
إقرأ أيضاً:حقيقة الموقف الايراني من ترشيح فرنجية
لكن ما حصل ان فرنجية عاد خائبا من حلفائه. ليس الجنرال عون وحسب، فهو يعلم موقف عون وردة فعله، كما يعرفهما ايّ لبناني، لكن الخيبة هي من موقف حزب الله، الذي لم يظهر ترحيبا او دعما لهذا الترشيح ولم يبذل جهدا متوقعا من السيد نصرالله تجاه العماد ميشال عون، منذ لحظة اعلان نصرالله استعداده للتسوية التي طرحت اقرب حلفائه رئيسا للبلاد.
ولا يخفى ان ايقاع حزب الله السياسي يتحرك على وتر اقليمي، وارتباطه العضوي بالمشروع الايراني في المنطقة هو الذي يحدد اولوياته ومساراته، فكيف اذا كان الموضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية؟ التي طالما كانت وبمعزل عن حزب الله شأنا اقليميا ودوليا اكثر مما هو شأن داخلي لبناني. لذا حين قرر نصر الله ان يجري تسوية لبنانية، كان ذلك بالضرورة يستند الى وقائع اقليمية تدفع الى انجاز هذه التسوية، وبرزت لاحقا مواقف ايرانية، منها لمستشار المرشد الايراني علي ولايتي، المح خلالها الى تشجيع ايراني لانجازها.
القصد مما تقدم هو القول ان المعطى الاقليمي هو الذي يحدد موقف حزب الله من تسوية الرئاسة. وعندما قال حزب الله انه حاضر للتسوية، كان يدرك ويعلم انه سيمارس ضغوطا على العماد ميشال عون لانجاز التسوية، لذا فإنّ ما بدّل موجة حزب الله التسووية ليس موقف الجنرال المعروف مسبقاً، بل ثمة عوامل اقليمية هي ما دفعت حزب الله الى وضع التسوية اللبنانية على “الرفّ”.
إقرأ أيضاً:همروجة ترشيح فرنجية…هل تخفي قطبة مخفيّة؟!
ومن هنا يمكن ملاحظة امرين سببا هذا التحول لدى حزب الله. الأول هو ان التسوية التي كان يتطلع حزب الله اليها لا تقوم على اقتراح شخص فرنجية، بل ربما يرغب بالوصول الى رئيس من خارج المربع الماروني، بما يستتبع ذلك من الاتيان برئيس حكومة ليس سعد الحريري. ولكن الامر الثاني هو ان التسوية التي كان يطمح نصر الله لانجازها تنطوي على فعل مقايضات اقليمية بين ايران والسعودية في ملفات عدة ابرزها الملف السوري والملف اليمني. لكن الموقف السعودي بدا غير مهتم، واظهرت الوقائع ان ايران والسعودية ذاهبتان الى مزيد من التصعيد، وصولا الى وقف بثّ محطة المنار عبر العربسات. وكان واضحا الاستياء الايراني الذي عبرت عنه الخارجية الايرانية من عقد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض. ولم تظهر الرياض، رغم المراوحة العسكرية في اليمن، استعدادا للجلوس مع ايران لبحث مستقبل اليمن.
التصعيد الايراني – السعودي لا يسمح بانجاز تسوية لبنانية تبدو خارج السياق ولا تنطوي على تسوية اقليمية ولو في الحدّ الأدنى. المسار يتجه على ما يبدو نحو مزيد من التصعيد في سورية. وبيان وزارة الخارجية الاميركية قبل ايام، حين حذر الرعايا الاميركيين من زيارة لبنان، كان يشير الى مخاوف من حدوث تطورات امنية نتيجة التأزم السوري. فالثابت ان المرحلة المقبلة هي مرحلة تجميع اوراق في سورية. المعارضة تجمع اوراقها السياسية بدعم خليجي وتركي، والنظام السوري مع ايران وروسيا يسعيان لاستعادة اراض خسرها النظام. وكل ذلك يؤشر الى مناخ تصعيدي يصعب على ايران ان تقدم خلاله على تسوية في لبنان تبدو فيها الرياض كما لو أنّها حققت مكسبا. حتى و كان ذلك على مستوى عودة الرئيس الحريري الى بيت الوسط، وليس السراي.
إقرأ أيضاً:فرنجية غاضب من عون… ومن حزب الله
الرئاسة اللبنانية ليست ورقة رخيصة في يد من يملكها، بحيث يقدمها الى اللبنانيين من دون ثمن، فيما الاثمان المطلوبة يجب ان تدفع في سورية واليمن لا على الاراضي اللبنانية ولا في الرابية تحديدا.