نصرالله «ضابط الإيقاع» الشيعي.. فأين ضابط الإيقاع السنيّ؟

تفجيري برج البراجنة
نحتاج في كل مرة يقع فيها تفجير هنا او هناك الى توجيه البوصلة نحو المرتكب الحقيقي للجرم. فهل نحن شعب قاصر لا يمكننا التفكير إلا اذا طلب منّا ضابط الإيقاع ذلك؟

بعد التفجيرين الإرهابيين الذين وقعا في برج البراجنة ليل الخميس – الجمعة الفائت ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بحديث عن ان الإرهابيين هما فلسطينيين. خاصة بعد إعلان المُخطط أي “داعش” عن تبنّيه هذين العملين. وإن تبين فيما بعد ان لا علاقة لفلسطينيّ لبنان او سوريا بهذين العملين، الا ان العقلية الشعبية اللبنانية أخذت بالشروع بإطلاق التحليلات والتكهنات والمواقف ضد ابناء المخيم، ولم تتوقف عبر وسائل الإعلام الحديثة هذه الا بعد موقف صارم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي لملم مخلفات التشنج وأرجع البوصلة الى مكانها.

اقرأ أيضاً: مخيم برج البراجنة 1: انتهت المقاومة.. وصار حزب الله شيعيا

القصة هنا، والحديث عن الموضوع بعد بتر رأس الأفعى فيه ليس لإثارة الفتن او لنكء الجراح بل للإطلالة على الجو الشعبيّ العام الذي يُحيط بالعلاقات الفلسطينية – اللبنانية، والعلاقات السورية – اللبنانية على المستوى الشعبي.

ويعود توتر العلاقات الخفيّ بين أبناء الضاحية وأبناء المخيم في برج البراجنة الى حرب المخيمات أولا التي وقعت بين حركة أمل والفصائل الفلسطينية إبان الثمانينيات والتي خسر فيها الجميع طاقات هائلة وهي التي كانت حصيلة صراع إيراني – سوري على القرار الشيعيّ في لبنان.

ولكن اللافت ان حزب الله ظل خارج الصراعات هذه، وظلت علاقات الحزب مع الفلسطينيين مميزة الى ان وقعت الحرب السورية، فافترقت حماس عن حزب الله حيال الموقف من الصراع السوري. من هنا جاءت التراكمات القديمة لتطفو على السطح مجددا في الوسط الشعبي الذي صار بمجمله من أنصار حزب الله، رغم ان حزب الله وحماس لم يتناوشا إعلاميا بل ظل خلافهما في القنوات السياسية والعسكرية داخل سوريا.

الا انه كان لخروج عدد من الفلسطينيين من غزة للقتال في سوريا او لتفجير أنفسهم داخل لبنان صدمة لكثير من اللبنانيين الذين لفتوا الى ان إسرائيل أقرب الى الشهادة والنضال.

اجراءات امنية

وهذه العقلية الملتوية التي أصابت عددا من الإسلاميين -غير المنتمين الى حماس أصلا- ليست الا نتيجة العقيدة الدينية المدعومة مدرسيا من كل السعودية وقطر الدولتان السلفيّتان السنيّتان اللتان في عقيدة شيوخهما يكفرّان الشيعة. وهذه المدارس والمعاهد الدينية انتجت بعض الفصائل التي أخذت تواجه حماس أولا في غزة.

فليست حماس، بصفتها الفصيل الإسلامي القريب من قطر حاليّا، مسؤول عن هذه العقيدة التشددية الا فيما يخص الموقف الخاص لبعض أفرادها. ويبقى الخلاف الخليجي-الإيراني هو الفيصل في موقف كل من حزب الله وحماس تجاه بعضهما البعض على ان تعود العلاقات كما كانت بُعيد التسوية المرتقبة في سوريا.

لكن على الأرض أي شعبيّا لازال اللبناني العادي غير المطّلع على خلفيّات الصراع السياسي اللبناني- الفلسطيني خائفا ومناوشا لأي فلسطيني والعكس ايضا، لأن الواقع الأمني مزدهر بالصراعات بين الفصائل داخل المخيمات، ولأن أحمد الأسير نفسه قد إلتجأ الى مخيم عين الحلوة، ولان الصراع السوري قسّم الإخوة فحوّلهم الى أعداء، ولأن الصراع بين المتدينيين يكون أقوى عن غيره من العلمانيين، لأن تأثير التيارات المتشددة الصاعدة داخل المدارس والمعاهد الدينية السنية منصبّا بشكل أساس على الافراد الأحزاب الدينية. وهذا هو الثمن الذي دفعته وتدفعه الأحزاب الدينية المرتبطة والمؤيدة والداعمة للقضية الفلسطينية، وكأن فلسطين تدفع الثمن هنا مرتين.

واللافت ان إعلام حزب الله ظل محافظا على وتيرة الدعم للقضية عبر إعلامه، رغم سياسة إيران في تجفيف مصادر الدعم المالي لحماس حيث أدى ذلك الى أزمة سيولة كبيرة داخل غزة ولبنان، الا ان العلاقات كما يبدو لا تزال في مرحلة الدخول في ثلاجة الإنتظار.

ويحتفظ الناس العاديين بملفات المناوشات عند كل إنفجار او تفجير او حصار او تصادم سوريّ- لبناني، خاصة ان الأنفاق التي أُكتشفت في سوريا والتي يختبئ فيها الإرهابيين تشبه أنفاق غزة التي ركعّت اسرائيل من خلالها.

هذه الأجواء السلبيّة هي سبب خروج السيد حسن نصرالله ليل السبت ليمنع وليُوقف أيّ خلاف فلسطيني- لبناني على الأرض، لأن الأجواء الشعبية مشحونة ومُعبأة لدرجة ان الخوف يتمّلك بعض القاطنين في المخيم. وهو اذ يبادر الى ترييح الأجواء في كل مرة في دلالة على أنه “ضابط الإيقاع” الذي لن نعرف متى يترك جمهوره على سجيّته، او متى سيتوقف هذا السجّال بين شعبين عدوهما واحد وقضيتهما واحدة. فالجمهور فالت من عقاله من الجهتين، لدرجة ان الكلام الخلافيّ والإتهامي يتكرر هو نفسه عند وقوع جريمة هنا وهناك، وبعصبية واضحة، وهو أمر غير مبرر، لكن غير المُبرر هو توجيه أصابع الإتهام الى جنسيّة وهوية بحدّ عينها، والتناسيّ ان التيارات الدينية تتصيد الأفراد لكن لا يمكن ان تتصيّد شعبا بأكمله.

اقرأ أيضاً: مخيم برج البراجنة 2: كيف صار أهله سنّة… بمواجهة الشيعة؟

فالخلفيّة التصادمية بين شعبين عاشا معا منذ العام 1948 وحتى اليوم على كافة الأراضي اللبنانية يفترض ان يكونا قد امتزجا معا، خاصة ان أماكن العيش واحدة، في الفقر والبحبوحة، في الحرب والسلم، في الأفراح والأتراح.. فما سرّ هذه الكراهيّة والعداوة المُبطنّة غير الأسباب السياسيّة المعروفة؟ علما ان العادات واحدة، والأحوال الإجتماعية واحدة، والتاريخ واحد.. لعل الأمر يحتاج الى دراسات سوسيولوجية معمّقة!

السابق
والمشاهير أيضا يرتكبون الجرائم…
التالي
دولة المواطنة