أيوب الجمهورية لن يسلم من قرار معاقبته

سعد الحريري
أخطر المعارك التي يواجهها اللبنانيون وأعنفها في هذا الزمان هي تلك التي تهدف إلى تذويب الطبقة الوسطى صمام الأمان لأي مجتمع بشري ودفعها باتجاه الإندثار، هذا التآكل أو الإسقاط لا يعني في علم الإجتماع إلا انحسار التنمية وتعطل المحرك الإجتماعي المسؤول عن الوعي والحراك الحضاري الذي يقود الناس إلى الإستقرار والشراكة والبناء والتقدم والمحاسبة. رفيق الحريري وبعده خلفه ومن عمل معهم تخطوا في نظر الظواهرين الجدد كل الحدود وأعاقوا عملهم وخيبوا آمالهم وسحبوا منهم سطوتهم.

غياب الطبقة الوسطى سيقود الناس إلى المقامرة والمغامرة وارتكاب أنواع من الجرائم بحق نفسها وبحق غيرها، يدفعهم إلى الطاعة بعد أن تشظوا بعشوائية باتجاه طبقة المعوزين التعيسين، ويرضخوا لطبقة المستبدين الممسكين بالقرار وبمصادر المال تستخدمه وتستخدمهم لمصالحها، تمسك بهم وتجرهم إلى التعاسة وإلى الحروب مقابل الرضى بالموعود المعروف والمعبر عنه بالمسموع والمقروء الذي لا دليل ملموس له. تشدهم إليها، تلقنهم فنون الرضوخ، تعلمهم بسفسطائية أنواع السجود الفكري والتقليد، تدربهم على الركوع الطلبي توهمهم بأنهم ضمن شبكة مصالحها وفي خيط مسبحتها وأن انفراط أي حبة منها أو انحلالها فيه انفراط لعقدها.

صحوة الطبقة الوسطى في لبنان التي مهد لعودتها وظهورها مجدداً الرئيس رفيق الحريري منذ وصوله إلى الحكم، أدركت أن الرضوخ أو استعطاء أمور لم تعد تفي بوعود توفير حياة أفضل مقيدة بشرط التزلف للعاطي المزيف. رفيق الحريري وبعده خلفه ومن عمل معهم تخطوا في نظر الظواهرين الجدد كل الحدود وأعاقوا عملهم وخيبوا آمالهم وسحبوا منهم سطوتهم.

سعد الحريريسعد الحريري أيوب الجمهورية والإستقلال الثاني نظراً لما ابتلى به بداية من الخصوم ونهاية من بعض الحلفاء، لم يسلم من قرار معاقبته على جرم دعمه الطبقة الوسطى وتلويحه مراراً برايتها والعمل على عودتها إلى الخارطة الإجتماعية ومحاولة دعم استمرارها كما كان قبله الرئيس الشهيد. دعم الحريري الأب والإبن للطبقة الوسطى إعتبرتها قوى التسلط سلاحاً يهدد ثقافة التبعية ، وصولا إلى انخفاض نسبة البطالة بين الشباب. فبالنسبة لقوى التسلط إنّ إستقطاب الشركات ثم فتح المشاريع وإعادة البناء ففتح الأسواق وزيادة مساحات الإختصاص، وتحييد البلد عن الصراعات ودفع الأجيال الصاعدة إلى العلم والمعرفة سيعرض مشروعهم من دون شك للخسارة.

في المقابل تبقى أحزاب كثيرة في لبنان تعتمد بالكامل على ماضي الصراعات العرقية والدينية وتستند إلى التراث والموروث الذي لا يموت، ليس بفعل التخليد طبعاً بل بحنكة ودهاء الأسياد الذين يستبيحون الخيرات ولا يتوانون عن استخدام كل وسائل الإقناع ومنها إنشاء وتدعيم شبكة المصالح المتصلة بينهم.

رفيق الحريريما أقدم عليه الحريري الأب سابقاً وما يقدم عليه الأبن الآن وما سيقدم عليه تيارهما لاحقاً (على الرغم من كل محاولات التشويه التي تطالهم) من تقديم دعم لهذه الطبقة سيسهم ببساطة في تعجيل حصول التغيير ومعرفة الطريق والإفادة من الطاقات وتحديد الخيارات، التي لن تكون إلاّ نوع من أنواع رفض الخضوع للتصنيفات التي تجبر كل من هم دون الطبقة المتغطرسة المتحكمة والحاكمة أن تعيش في الفقر والعوز. فلا يبقى أمامهم إلا الطلب والسؤال لكي يحصلوا على حقهم في التعليم وخدمات العناية الصحية ويستجدوا الطبقة الفوقية تأمين الحماية الأمنية والوظائف التي تحتكرها، وتهبها على اعتبارها مكافاءات تعطى على شكل هدية بعدما تمّ تهشيل الوظائف الحرة والاستثمارات الأجنبية.

إقرأ أيضاً: مخرج «تشيلو» بالفم الملآن: تيمور تاج الدين هو رفيق الحريري

تمكين الناس يبعدهم عن الصدقة وأحزاب التبعية، يستميتون لإستعادتهم باجتراح الأزمة تلو الأزمة وهي من أجهض كل الإنتفاضات التي اندلعت في الماضي القريب. الأكيد أنّ الطبقة الوسطى لن يقدر عليها أحد ولن يكون بمقدور أحد أن يقرر مصيرها، فهي تستولد نفسها بنفسها ومطمئناً لن تنتهي وإن تعثرت في المسار الذي سيوصلها إلى الدولة التنموية العادلة أولاً.

السابق
المرأة في «تيار المستقبل»: ما زلنا بعيدات عن مواقع القرار
التالي
فتاة مثيرة توقع ضحاياها عبر سكايب من خلال الجنس «إحذروها»!!