إيران.. مفارقات شيعية لبنانية

نديم قطيش

في إطلالته الإعلامية الأخيرة ثاني أيام عيد الأضحى، قال أمين عام حزب الله حسن نصرالله رداً على سؤال “إن حزب الله حزب لبناني له تأثير في الأوضاع الاقليمية بسبب “تركيبة المنطقة وتحالفاتنا وقدرتنا على الحضور في بعض المساحات او الميادين” رافضاً فكرة الدولة ضمن الدولة او الحزب الاكبر من الدولة.

فما هي “تركيبة” المنطقة التي وسعت نفوذ حزب الله الى هذا الحد في السنوات القليلة الماضية؟ ومن أين ولدت “القدرة على الحضور” في المساحات والميادين؟ لم يعد خافياً أن التركيبة هي التركيبة المذهبية التي تتلاعب ايران بمكوناتها وشقوقها في العراق والميليشيات الشيعية فيه، ولبنان وإختطاف شيعته، واليمن عبر ميليشيات الحوثي، وسوريا عبر حماية النظام العلوي والبحرين عبر ركوب موجة المطالب المحقة بالاصلاح وتحويلها الى منصة لإسقاط نظام المملكة وتهديد عموم الخليج. أي التركيبة التي تتيح لإيران إشعال قضايا وحروب وإحداث تمزقات تستثمر إدارتها على نحو يخدم نفوذها ومشروعها التوسعي المذهبي. أما “القدرة على الحضور” التي تحدث عنها نصرالله، فهو نفسه من إعترف ذات خطاب أنها تتكون من دفعات دعم مالي ومعنوي وسياسي وعسكري ايراني لحزبه لم ينقطع منذ العام ١٩٨٢!

من حيث لا يدري كان نصرالله يقر بإخراج الشيعة اللبنانيين من وطنيتهم ويعترف بدوره في إلصاقهم بمشاريع أكبر من لبنان بل بمشاريع اعتداء على لبنان وعلى المنطقة تحت غطاء ما يسميه “التركيبة” و“القدرة على الحضور”! وما تصديه لمسألة ادارة موسم الحج وركوب موجة المرشد في طهران ومجاراته في هجومه على المملكة وقيادتها الا إمعان في وضع الشيعة في مواجهة عمقهم الطبيعي ووطنيتهم السليمة التي تقوم على إحترام الدول الاخرى وسيادتها وحدودها واركانها الوطنية.

كم تذكرت الصحافي العلم الراحل كامل مروة مؤسس ورئيس تحرير صحيفة الحياة وأنا أتابع نصرالله.

ما لا يعرفه كثيرون ان كامل مروة كان عراب إنجازين قاتلين: أولاً هو عراب نظرية تحالف الوطنيات تحت غطاء “الحلف الاسلامي”، الذي دعا إليه الملك فيصل بن عبد العزيز، عام ١٩٦٥، لمواجهة الناصرية بما هي ايديولوجيا اعتداء قومية على أي وطنية أو قطرية! وثانياً هو مهندس العلاقة التاريخية بين الملك فيصل وشاه ايران في سياق تعزيز فكرة تحالف الوطنيات تحت لافتة “الحلف الاسلامي” في مواجهة افراط جمال عبد الناصر بعروبة هادمة للدول والكيانات.

لعب مروة في تلك الأشهر التي مهدت لاغتياله في أيار ١٩٦٦دوراً محورياً في نزع الألغام من طريق العلاقات الإيرانية السعودية التي كانت وظلت تشهد توترات عديدة حول البحرين والنفط وصراعات النفوذ والأحجام بعد خروج بريطانيا من المنطقة.

غير أن حنكة مروة كانت في التقاط المخاوف المشتركة للسعودية وإيران على وطنياتهما من توسع نفوذ عبد الناصر وصعود نجمه الجماهيري القومي، والبناء عليها للتقريب بين العاصمتين.

وبالفعل في شهر نوفمبر 1965 زار الملك فيصل إيران ضمن أول جولة خارجية له بعد توليه الحكم، في إشارة لا لبس فيها للأولوية الاستراتيجية الناشئة في ذهن القيادة السعودية للعلاقة مع ايران الشاه! وبالعودة الى ما نتج عن لقاء الزعيمين يبرز التأكيد حينها على ضرورة الوحدة الاسلامية بصيغة اقتراح علني، غير مسبوق تولاه فيصل، لعقد مؤتمر قمة إسلامي رحبت فيه إيران وأبدت حماسة له. ثم ما لبث الملك السعودي ان أعلن في 31 يناير كانون الثانى ١٩٦٦ من العاصمة الاردنية عمان عن تشكيل لجنة للتحضير لمؤتمر قمة إسلامي، وهو ما عارضته القاهرة وبذلت في سبيل تعطيله كل الجهود الممكنة، اذ لم يكن العنوان الاسلامي الا غطاءاً لتحالف وطنيات قلقة من الناصرية.

نجح عبد الناصر في المواجهة السياسية في جعل المؤتمر يقتصر على المملكة العربية السعودية والأردن وإيران الشاه. ونجح في شق الصف الخليجي عبر موقف للكويت إنحازت فيه ضد المؤتمر، كما إستغل معركته الداخلية مع الإخوان المسلمين كأداة للتخويف والترهيب، على إعتبار أن المؤتمر يعزز المناخات الاسلامية التي تسمح للتنظيم بالازدهار وتهديد الدول وأنظمة الحكم! ولعب بطريقة رفيعة المستوى على علاقة الشاه بإسرائيل بهدف الإغتيال المعنوي للمؤتمر. وبالفعل بعد اسابيع من اعلان عمان، شن عبد الناصر في 22 فبراير ١٩٦٦ هجومه الاعنف على السعودية في خطاب القاه في حفل حاشد في جامعة القاهرة متهماً “الامبريالية والرجعية” بتأسيس الحلف الاسلامي، ضد حركات التحرر.

لم يكتفِ عبد الناصر بالإغتيال المعنوي للمؤتمر. لم تمضِ سوى اسابيع قليلة على خطاب عبد الناصر حتى دخل أحد “قبضايات” بيروت، مدفوعاً من مخابرات القاهرة، على كامل مروة في مكتبه في صحيفة الحياة وأرداه برصاصتين أطفأتا أحد أبرز وجوه الصحافة والسياسة والوطنية والحكمة والاعتدال.

لم يقتل كامل مروة عقاباً على مقال، او انتقاماً من إنتقاد لاذع لطالما تميز به، بل لأنه يمثل العقل العميق والدينامية الحقيقية لمشروع المواجهة مع عبد الناصر الذي نرث اليوم بقايا مشروعه ونتخبط فيها.

الشيعي اللبناني كامل مروة إستشهد دفاعاً عن وطنية لبنانية لا تقوم ولا تستمر بغير الالتقاء مع وطنيات الاقليم بما فيها الوطنية الايرانية. الشيعي اللبناني حسن نصرالله يخرج الشيعة اللبنانيين وغير اللبنانيين في كل لحظة من وطنياتهم ويدفعهم دفعاً للتصادم مع وطنيات الاقليم برعاية وتحكم مباشر من إيران.

من كامل مروة الى حسن نصرالله تاريخ من مفارقات العلاقة بإيران.

(المدن)

السابق
كل معارض للأسد إرهابي؟!
التالي
الترقيات مجمدة.. و«سلام» يهدّد بقلب الطاولة