فقراء غائبون وفايسبوكيون متزعمون ويسار يحاول إنقاذ نفسه

29 آب رياض الصلح
نزلت إلى تظاهرة التاسع والعشرين من آب الجاري في ساحة الشهداء، بنيّة المطالبة ببعض الحقوق المشروعة لي كمواطنة لبنانيّة تعاني من الفساد والمفسدين في السلطة وفقيرة من فقراء هذا البلد ويسارية دون هوية..

دخلتُ ساحة التظاهرة كفرد يحمل كل المطالب المُحقة والمشروعة، ولكنها في الوقت عينه أراها صعبة التحقيق، لأن القيّمين على هذه السلطة متغلغلون فيها لدرجة أن أزلامهم يخرجون علينا بكل صفاقة عبر الإعلام لينظّروا على المتألمين والفقراء، ولينفوا أي علاقة لهم بالفساد. وهو كلام موّثق قاله أحد أبرز قيادييّ حركة أمل من على شاشة المنار: “من المعروف للجميع ان حركة امل لا علاقة لها بتاتا بالفساد الدائر في البلد”!!

الفقراء جاءوا الى ساحة الشهداء من جهات: المزرعة – رأس النبع – العاملية – البربير – الشياح – قصقص – الطيونة، ومن عكار، ومن المتن.. وهذه كلها مناطق الفقر… لكن الآلاف منهم غابوا وغيبوا اصواتهم وغابت مطالبهم الحقيقية معهم.

هؤلاء الآتين مع مسيرة “بدنا نحاسب” المعروف أنّ نشأتها أتت بدعوة من اليسار اللبناني من جهة رياض الصلح نزولا حيث ترى فيهم الذين ينطبق عليهم صورة الظلم الاجتماعي بكل صوره، إضافة الى الظلم السياسي المعروف للجميع..

المسيرة كانت، بكل بساطة، صنيعة باحثين عن قضية تؤكد قوّة الإعلام الجديد

لكن ما إن تقترب من مبنى”الفيرجين ميغاستور” في ساحة الشهداء حيث تبدو الساحة أمامنا شبه فارغة رغم اقترابها من السادسة، أي موعد انطلاقة فعاليّات الاعتصام ومع العدد غير الضخم من الجماهير ترى عرضا للأزياء، والأناقة، وهي مناظر لا تصدم اللبنانيين أبدا كوننا نعيشها يوميا في مجتمع قائم على طبقتين مفارقتين لبعضهما البعض. لكنها تصدم المـراقبين، وخصوصا الصحافيين الكُثر الذين أتوا لتغطية الحدث من عرب وأجانب، وهم الذين شهدوا على المظاهرات في مختلف أنحاء العالم والتي تخرج للمطالبة بحقوق معينة، حيث يرى أنها تظاهرة لا توحي الا بأن متظاهريها مترفون غير بائسين، بل هم أهل الراحة والإستقرار والبحبوحة وربما حضروا لأخذ الصّور التذكارية والارشيف والتعارف، واكثر ما هو ملفت مجموعة من الجميلات يرتدين زيّا فولوكلوريا يتراكضن خلف بعضهن ويأخذن اللقطات، وكأنهن في حفل راقص..

ربما لان بيروت لم توحِ يوما ولم تظهر وجوه الفقر فيها كما في البلاد العربية، بل سترتها غالبا بالحيوية التسويقيّة وبالدعايات السياحية .

وما هو جديد أيضا هو حلول الفنانين محلّ السياسيين، فقد رأينا كل من الفنان مُعين شريف من أعلى سيارته الرباعية الدفع على هيئة زعيم يلوّح لجماهيره مع أغنيته ومرافقيه، إضافة إلى الفنان ميشال ألفترياديس، والفنان ريان الهبر، والفنان مارسيل خليفة، والفنان رفيق علي أحمد، والفنانة رولا سعد، وغيرهم الكثيرين… مع غياب تام للسياسين الرسميين كبعض النواب والمسؤولين السابقين الذين عادة يتصدّرون المسيرات في محاولة لكسب رضا الرأي العام او لإعلانهم الإنتماء للطبقة المتوسطة والفقيرة. فقد عوّض عن ذلك الفنانون، والمنبوذون من أفراد المنظمات والأحزاب التي أكل عليها الدهر وشرب، لدرجة أن أحد الحزبيين المخضرمين ضحك عندما سمع شعارات المسيرة وقال “هذه شعارات قاسم القادري نفسها التي كان يرددها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ها هي تُسترجع اليوم”.

وبرأيه ان “التاريخ يُعيد نفسه”، و”كل جيل يريد أن يعيش التجربة نفسها لكن بعناوين مناسبة لزمانه”. ولفت قائلا “سابقا عشنا مرحلة الصراع ما يسمى بالصراع الإمبريالي – السوفياتي، واليوم يعيشون صراعا جديدا اسمه الصراع داخل العالم الإفتراضي كونهم يواجهون الدولة والسلطة والتي هي أصلا غير موجودة”.

ورغم وجود اليسار القديم بشبيبته، وهم غالبا أبناء القياديين القدماء، مشى جنبا إلى جنب البرجوازيين المحدودي العدد، الذين يطمحون الى تسلّم السلطة في لبنان، حملوا معهم حيواناتهم أهمها الكلاب، إضافة إلى كل ما يشي ببحبوحة إقتصادية، لم ألحظ أمامي في المشهد العام فقراء حيّ السلم، وصبرا، والطريق الجديدة، والبسطة، وعين الرمانة، وبرج البراجنة.. فالفقراء لا يعون دوما أن مطالبهم يحملها الأغنياء والمثقفون والبرجوازيون ومتزعمو الإعلام الإفتراضي.. بل إنهم يتّكلون على قياديين حزبيين من ابناء طائفتهم لتحقيق مصالحهم.

المسيرة كانت، بكل بساطة، صنيعة باحثين عن قضية تؤكد قوّة الإعلام الجديد، وقد أثبت هذا الإعلام جدوى معركته الجديدة منذ العام 2011 في مصر وتونس وسوريا وليبيا والبحرين.

تظاهرة 29 آب 2015 لبنان

وكل الفرق بين الأمس واليوم أننا نضيف الى وسائل المطالبة بالحقوق المشروعة البث الحيّ عوضا عن اليافطة والبوستر..

لكن الخوف أن تصبح اللعبة لعبة إفتراضية على غرار الربيع العربي الكاذب الذي تحوّل إلى شتاء عاصف وماطر بالدماء.

السابق
إيران تزيل شعار «الموت لأميركا» إرضاء للشيطان الأكبر
التالي
باراك أوباما يغامر..