السيّد محمد حسن الأمين: الغرب أتقن الوسيلة المادية وأضاع الغاية الروحية

السيد محمد حسن الأمين
قبل عقود طويلة من الزمن شاعت فكرة الغزو الثقافي الغربي لبلاد المسلمين المترافق للاستعمار والاحتلال المباشر. العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين يشرح لنا كيف انقلب هذا الغزو الى حوار وهو يأمل أن ينقلب الى تبادل وتثاقف حقيقي في المستقبل بين الشرق والغرب.

يقول السيد الأمين: “في هذا الموضوع أي الموضوع الثقافي بين الأمم والشعوب المختلفة، يجب أن نميّز بين صورتين من صور العلاقات الثقافية. فليس كل تواصل بين ثقافتين هو غزو من إحداهما إلى الأخرى. فالغزو الثقافي يتحقّق عندما يكون طابع التواصل الثقافي هو نوع من الإملاء، يمليه القوي على الضعيف، ويترافق مع محاولة تجريد الضعيف من مكوّنات ثقافته وهويّته. وهذا هو النوع الأوّل. أما النوع الثاني من التبادل الثقافي فهو صورة من صور التفاعل والجدل المثمر بين ثقافتين مختلفتين. وبالتالي لا يمكن أن يسمّى هذا النوع غزواً ثقافياً بالنسبة لنا كمسلمين، أستطيع القول إننا مارسنا نوعين من أنواع الغزو الثقافي. واحد فرض الثقافة العربية الإسلامية على بعض الشعوب التي احتلها المسلمون، كما مارسنا نوعاً من الفاعل الثقافي مع شعوب مختلفة عنّا. وهذا في المرحلة التي كان المسلمون خلالها أصحاب دولة وصولية. وكانت هناك امبراطورية إسلامية في العصرين الأموي والعباسي تطمح للسيطرة على العالم حولها. لكن والحق يقال فإن الطابع الذي ميّز سلوك المسلمين في أحيان كثيرة تجاه الآخر لا يمكن تسميته بالغزو الثقافي بقدر ما كان يظهر تحت عنوان نشر الإسلام والدعوة إلى عقائده وقيمه بوصفه، كما يعتقد المسلمون، أرسل للبشر كافة”.

ويعتبر السيّد الأمين أن “فكرة الغزو الثقافي الغربي لبلاد المسلمين المترافق للاستعمار والاحتلال المباشر… هي في واقع الأمر لا يمكن إغفالها أو التنكّر إليها. فقد كان أحد سمات الاستعمار الغربي، بل أخطر هذه السمات، هو انتزاع الهوية الإسلامية بما هي العنصر الثقافي المكوّن للشخصية الإسلامية. وجرت محاولة تحويل السلوك الإسلامي في الاجتماع إلى سلوك مستمد من ثقافة المستعمر وأنماط سلوكه هو. ومما لا شك فيه أن هذا الجهد الاستعماري أدّى إلى التأثير على كثير من جوانب الحياة الإسلامية وطبعها بطابعه. وكان لهذا الأمر خطورته على سلامة الهوية الإسلامية، غير أنّ عناصر القوة في الثقافة الإسلامية مارست صورة متقدمة من مقاومة هذا الغزو وظلّ من بين المسلمين العديد من المفكرين والنخب وكافة الشعب من يقاوم هذا الغزو الثقافي والتمسك بالعادات والتقاليد والمفاهيم الإسلامية”.

الأمين: إنني من القائلين بأن الحوار مع الغرب لا يعني أننا نريد فرض هويتنا على الغرب

ويضيف السيّد الأمين: “كان في مرحلة الاستعمار الغربي، أما في زمننا الراهن فإنني لا أعتقد ان ثمة غزواً ثقافياً، بل يمكن القول إن ثمة شكلين من أشكال التواصل الثقافي. أحدهما يأخذ شكل الصراع الثقافي الحضاري وهو ما نظر له المفكر الأميركي صاحب كتاب صراع الحضارات، وثانيهما ما يأخذ شكل الحوار والتفاعل مع الحضارة. وهنا يجب أن نؤكد أن انتقال المسلمين من المرحلة السلبية الضعيفة إلى مرحلة الوعي والتعرّف إلى العلم وأشكال المعرفة وصورها. وهذا ساهم في رفع مستوى العلاقة مع الغرب وجعل من هذا الصراع حواراً في كثير من الجوانب دون أن نبالغ ونقول إن الهوية الإسلامية أصبحت من القوة إلى درجة أن تنافس عناصر القوة التي ما زال الغرب يملكها ويملك من خلالها التأثير على كثير من النخب المسلمة. وهنا وللإنصاف أريد القول بأن الغرب سبقنا إلى اكتشاف الفكر السياسي وإلى التطوّر الاجتماعي تحت ضوء هذا الفكر الذي عرف الديموقراطية وحقوق الإنسان ومكانة الفرد والحريات العامة. ونحن المسلمون ما زلنا أقل كفاءة في التواصل مع هذه المفاهيم وفي استيعابها وتطبيقها على اجتماعنا السياسي وغير السياسي”.

يوجد في الإسلام ما يجب أن يتعرّف الغرب إليه ومنه

وعن طبيعة الحوار الثقافي مع الغرب يقول السيّد الأمين: “إنني من القائلين بأن الحوار مع الغرب لا يعني أننا نريد فرض هويتنا على الغرب كردة فعل لما واجهناه من الاستعمار الغربي، بل إن طموحنا هو تعرف الغرب إلى المفاهيم الإسلامية تعرفاً حقيقياً من جهة… وأن نكون أشدّ ثباتاً ومقاومة أمام النزعات الفكرية والفلسفية والاجتماعية لكل ما يؤمن به الغرب ويمارسه. واستطراداً يمكنني القول إن النزعة الثقافية الإسلامية المسماة بالاعتدال وبالرؤية الموضوعية لمسائل المعرفة والعلم هي النزعة التي تمثّل جوهر الإسلام. وهي الوجهة الطاعنة، حالياً، في مواجهة تلك التي ما زالت قائمة في الساحة الإسلامية. الأولى هي نزعة الانبهار بلا نظر والثانية هي النزعة السلبية المطلقة تجاه الغرب وثقافته. أقول إن الحضارة الغربية شيء أساسي لم أكتشفه أنا شخصياً لكن اكتشفه عدد من المفكرين الغربيين أنفسهم وأحدهم “روجيه غارودي” الذين رأى أن الحضارة الغربية تفتقر إلى عنصر الهدف. فلا يوجد في الحضارة الغربية أهداف عليا في المسار والتقدّم. وسبب ذلك أن هؤلاء المفكرين لا يوجد مطلق يسعون إليه في الحضارة الغربية. إذن فإن الغرب قد أجاد في إتقان الوسيلة، وهي العلم والمعرفة، وفقد الهدف وهو المطلق الإله في الإسلام والاجتماع الإسلامي امتلك الهدف وعرفه، من خلال الإيمان بالله والسعي للوصول إلى الله. لكن الغرب إذا أهمل الوسيلة التي هي المعرفة والعلم والديموقراطية، وأن حواراً حقيقياً بين المسلمين والغرب يجمع الوسيلة والهدف هو ما سوف يحقق للإنسانيّة سعادتها وسلامتها”.

وفي النهاية يستشهد السيد الأمين بالآية القرآنية الكريمة في هذا المجال بقوله تعالى: “ولقد عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً”.

محمد حسن الامين

وتابع: “نلاحظ أن الإنسان هنا هو كل البشر، وأن نسبة الظلم والجهل اسندت إلى كل البشر، لأن جزءا منهم عرف الأمانة وجهل مادتها والآخر عرف مادة الأمانة وجهل غايتها. فإذا تمّ التكامل من خلال الحوار الحضاري بين مادة الأمانة وغايتها أمكن إيواء فكر إنساني واسع النطاق ويدخل في هموم البشر كافّة وليس في هموم فريق دون آخر.
إذاً يوجد في الإسلام ما يجب أن يتعرّف الغرب إليه ومنه، هذا السلوك الطّوعي للكائن الإنساني للسير في طريق الخير والمحبّة المفتوحة والعامة بغضّ النّظر عن القوانين الخارجية التي تملي هذا النوع من السلطات وتفشل في كثير من الأحيان… لأ نبعه يجب أن يكون من داخل الإنسان بشكل طوعي، أي من الإيمان”.

السابق
البحث عن جزمة وصي
التالي
المتهم بتفجير مسجد الكويت يعترف: هكذا أراد الانتحاري «الاستشهاد»