السيد محمد حسن الامين (2):الحرية الفكرية أطلقها الإسلام وقيّدها الحكام‏

في الجزء الثاني من بحث الاسلام والحريّة يتطرّق سماحة العلامة المفكّر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين للحرية الفكرية والسياسية، ويأسف انها لطالما كانت مشرّعة في الاسلام، بيد ان الحكام أغفلوها وقمعوا شعوبهم باسم الدين من أجل حماية سلطانهم.

يقول السيد محمد حسن الأمين: “من وجهة نظرنا فإن حق الإنسان الكامل في الحرية هو رؤية إسلامية تؤكدها عقيدة الإسلام التي تدعو الإنسان إلى أعمال العقل والأخذ باحكامه. والإسلام في الآن نفسه يرى أن العودة إلى العقل هو عودة إلى الفطرة الإنسانية التي ستوصل الإنسان إلى معرفة الحقائق الكبرى التي تتجلى في هذا الكون وعلى رأسها وحدانية الله سبحانه وتعالى وهيمنة الكاملة على الوجود، هذا ما يراهن عليه الإسلام ولا يرى أن التقليد في العقيدة أمر مقبول بل لا بد أن يكون ثمرة لإعمال العقل، وبموجب هذه الحقيقة فإن الإسلام لا يبيح الحرية للكائن الإنساني فحسب بل يلزمه في التمسك بحق الحرية.

مصدر التكفير هو حرمان هذه الشعوب من الحرية

مجمل ما تقدّم يوضح معنى أن الحرية هي أساس في العقيدة الإسلامية. على أن هذه الحقيقة لا يعني أنها كانت جزءاً عضوياً من تفكير وسلوك كل المسلمين ولذلك فإن ممارسة الحرية بما فيها الاجتهاد بأحكام الدين لا يعني أنها كانت مطبقة ومحترمة في الاجتماع الإسلامي وخاصة الاجتماع السياسي للمسلمين حيث تم تقييد الحريات من قبل قوى القهر والغلبة التي حكمت بإسم الإسلام، وكان لهذه المخالفة لأحكام الإسلام آثارها السلبيّة على الاجتماع الإسلامي”.

وبالنسبة للقول أن فقدان الحريّات في المجتمعات الاسلامية أدّى الى تخلّف المسلمين يجيب السيد محمد حسن الأمين: “القول بأن مسألة الحرية هي مصدر تخلف المسلمين وتقدم الغرب فإن في هذا القول بعض الصحة وليس كلها. فهناك عوامل لا حصر لها في أسباب تقدم الغرب وتخلف المسلمين على الصعيد المادّي وعلى صعيد العلوم الإنسانية. وإذا كنّا ندين كثيراً في مفاهيم الغرب وأنماط السلوك الأخلاقي للمجتمع الغربي فإننا نعتقد أن سبب ذلك هو المبالغة في تقديس الحرية للدرجة التي يتم فيها ارتكاب ما يتنافى مع كثير من القيم الأخلاقية، ولا أريد أن أتوسع في ذلك بل أذكر مثالاً واحداً هو حرية الزواج المثلي، وهذا برأينا استغلال خاطئ وفاحش لحقّ الحرية أو الجماعة”.

حق الإنسان الكامل في الحرية هو رؤية إسلامية تؤكدها عقيدة الإسلام

أما بالنسبة لما حدث بعد ثورات الربيع العربي في بلداننا وخاصة ظاهرة العنف والتكفير يقول السيد محمد حسن الأمين: “إنني أرى أن مصدرها هو حرمان هذه الشعوب من الحرية وعدم الاعتياد على اجتماع يقيّدها ويحترم إرادة الفرد، وهو ليس ناجماً عن أي تشريع إسلامي، لأنه لا يوجد تشريع يبيح هذه الصورة البشعة من السلوك العنفي الإجرامي، وإني أعتقد أن أساس هذا السلوك المدان إسلامياً وأخلاقياً إنما يكمن في أنظمة الاستبداد التي استولدت إشكالاً في الاجتهاد المشوّه كرد فعل على ممارسة القمع والاستبداد من النظم السياسية وفي كل الحالات فإن هذا لا يبرّر هذه النزعة المجرمة والتي تتنافى كلياً مع نهج الإسلام في قوله تعالى “وادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.

اقرأ أيضاً: السيّد الأمين: على السلاح أن يكون في خدمة العقل.. وليس العكس

ولكن على ماذا تستند الجماعات الاسلامية المتطرفة في فرض شريعتها الخاصة على الناس؟ يجيب السيّد الأمين ويؤكّد: “أنه لا يوجد ما يبرّر لأي فريق من المسلمين أن يفرض منهجه في تطبيق الشريعة و أحكامها، فالشريعة الإسلامية لا تكون مفروضة إلا بقرار شرعي أي باختيار المسلمين دون جبر ولا إكراه. وحينذاك لا تكون الشريعة سوى اختيار حرّ من قبل المجتمع الذي يختارها، ويختار القيّمين على تطبيقها، وهذا ما لا نجده لدى هذه المنظمات التكفيرية التي تمارس سلطة العنف دون الاستناد إلى الشرعية التي ذكرناها”.

ويرجع السيد الأمين سبب فشل حركات تحرّر الشعوب في البدايات لصيرورة تاريخية أكّدتها شواهد عدّة فيقول: “لعل مرور عدد من العقود والقرون التي غابت فيها الحرية عن مجتمعاتنا تشكّل السبب الفاعل في عدم تقدير الحريّة، ولا ننسى أن الحرية هي قمّة المسؤولية والشعوب التي لم تعتد على ممارسة المسؤوليات قد يصعب عليها اعتناق مبدأ الحرية وتذكرني هذه الرؤية بالمشكلة التي حصلت في القرن 18 كما أذكر أني اطلعت عليها، عندما ألغى الرئيس الأميركي “لنكولن” نظام العبودية، ومن المفارقات أنه نجم عن هذا الإلغاء احتجاجات كثيرة ولكن أعجبها هو رفض الكثير من العبيد لهذا الامتياز لأنهم اعتادوا على العبودية.

السيد محمد حسن الأمين

والخلاصة برأي السيد الأمين أن “الحرية مسؤولية ولبست بسيطة وهي ليست امتيازا فقط، ويجب أن يشعر الإنسان بقيود حقيقية عندما يمارس حريته”.

السابق
رسالة الى المسيحيين: داعش وأخواتها لا تعبّر عن الإسلام
التالي
كتاب برتوكولات حكماء صهيون حقيقة أم كذبة؟