ملف حزب الله (11): البعد الغيبي في روايات ظهور المهدي

منذ ثلاثين عاماً تركت مقاعد الدراسة لألتحق في مقاومة العدو، بعد محاضرة دينية على أحد مقاعد حسينية الشياح للسيد فيصل الأمين، والذي جزم يومها أنّنا في "عصر الظهور". وبعد اعتقالي وقراءة السيد علي بن طاووس علمت أنّه في كلّ زمان سيخرج علينا أحدهم ليخبرنا أنّنا في عصر الظهور، ليحوّل الشباب من طلاب مدارس إلى مقاتلين مستعدين للموت تمهيداً لظهور دولة المهدي.

مشهد غريب كان رؤية الشباب والفتية الذين تجمّعوا أمام الشاشات في العيد 29 لانطلاقة كشّافة المهدي ليستمعوا إلى كلام الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله. هو الذي راح يكرّر شعار “لن تُسبى زينب مرتين”، وعرّج على المستجدات في العراق مؤكدا “أنّه انتهى الزمن الذي يُسمح فيه لأيّ أحد في العالم أن يهدم أو يدنّس مقدساتنا الدينية في النجف وكربلاء وسامراء”، خاتما حديثه بكثير من التأكيد: “نحن الآن في عصر ظهور الإمام المهدي (عج) وعلينا أن نكون مستعدين لذلك”.

هذا المشهد أعادني 30 عاماً إلى الوراء، وتحديدا إلى العام 1983. أذكر جيدا أنّه كان يوم خميس وكنت أحضّر لامتحانات البكالوريا الرسمية. أخذت إجازة قصيرة من الدراسة وذهبت إلى حضور محاضرة دينية على أحد مقاعد حسينية الشياح. أذكر جيدا أنّها كانت للمغفور له السيد فيصل الأمين (شقيق السيد ابراهيم الأمين)، الذي كان يتمتع ببيان ساحر وبأسلوب دعوي أخّاذ، إن على المنبر أو من خلال الدروس الخاصّة التي كنّا نتلقّاها في بيته.

أذكر جيدا أنّه (رحمه الله) يومها تلى آيتين من القرآن كدليل على كلامه، الآية الاولى: “.. والله متمّ نوره ولو كره الكافرون “، والآية الثانية قوله تعالى: “..ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون “.

حزب-اللهواعتبر السيد الامين أنّ خروج الامام المهدي (ع) إنّما يكون لحظة يكون العالم محكوماً من قبل قوّتين اثنتين تجسّدان الشرك هما،الولايات المتحدة الأميركية، والإتحاد السوفياتي. وبما أنّنا كنا حينها نعيش في عالم محكوم بهاتين القوتين الجبارتين فهذا يعني أننا حتما في عصر الظهور وأنّ خروج الإمام المهدي ما هو إلاّ قاب قوسين أو أدنى وعلينا أن نكون مستعدين.

خرجت من حسينية الشياح تتملّكني فكرة وحيدة هي أنّ العودة إلى الدرس والتحضير للإمتحانات الرسمية يُعتبر بمثابة الخطيئة أو بأقلّ تقدير لا تنسجم البتة مع حالة التوطئة المطلوبة منّي لصاحب العصر والزمان.

رميت كتبي وتوجهت في اليوم التالي إلى الجنوب حاملا بندقية لأقاتل أعداء الله. فبذلك فقط يمكن ان أكون من جنود الإمام محاربا ومستشهدا بين يديه.
أيام وجاءت دورية إسرائيلية اعتقلتني إنا وعدد من شباب الضيعة.

وهناك في معتقل أنصار قُدِّرَ لي أن اقرأ فيما قرأت بأنّ السيد علي بن طاووس (661 هـ) أي منذ 774 سنة، وهو كان من كبار فقهاء الشيعة، أخبر ولده الأكبر محمد، قائلا إنّ تولّيه هذا المنصب بعد زوال ملك بني العباس كان قد ورد في حديث للإمام الصادق برواية جاء في خاتمتها: “ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائم العادل الحافظ لما استودع يملؤها قسطا وعدلا كما ملأها الفجار جورا وظلما”. ما يعني بالدليل أيضا، حينها قبل 774 عاما، أنّ هذا أوان ظهور الإمام المهدي فيوصي إبنه بالاستعداد له.

فعرفت، وأنا في المعتقل، أنّه في كلّ زمان سيخرج علينا أحدهم ليخبرنا أنّنا في عصر الظهور، ولعلّها تكون كلّ مرة دعوة طبيعية تمليها الظروف والتطورات السياسية في محاولة لتأكيد أحقيّة القضية التي يحارب من أجلها الجمع، خصوصا عندما تكون تكلفة هذه الحرب باهظة.

الحمد لله أنّه في العام 1984 عمدت الدولة اللبنانية، نتيجة ظروف الحرب، الى إلغاء الامتحانات الرسمية والاكتفاء بوثيقة الترشّح، ما أمّن عدم خسارتي العام الدراسي.

أكاد أجزم هنا أنّه عندما يستمع هؤلاء الفتية، من شخصية بحجم سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله، إلى قوله إنّنا اليوم أيضا في “عصر الظهور”، فسيتحوّلون من طلاب مدارس إلى مقاتلين مستعدّين للموت في سوريا، وحتّى في العراق، تمهيدا لظهور المهدي، وربما هذا هو المطلوب… والله أعلم.

السابق
الـ «إنتربول» يحيل إلى القضاء اللبناني ملفاً كبيراً ستكون نتائجه مدمّرة
التالي
هذه اللائحة 48 للعينات المطابقة وغير المطابقة