يوميات معتقل 10: هكذا كنا سنهرب من أنصار.. وكشفنا العميل

السجن الاسرائيلي
لم نعرف خلال اعتقالنا من قبل العدو الإسرائيلي أي نوع من أنواع الإستسلام، ففي تموز 1983 كان من المقرر أن تتم عملية الهروب من النفق الذي كان يتم حفره من قبل مجموعة صغيرة من الأسرى ، إلاّ أنّ جنود الإحتلال اكتشفوا النفق قبل الإنتهاء من حفره بأيام، فما كان علينا إلاّ البحث عن أحلام جديدة.

 

كان من المقرر أن تتم عملية الهروب من نفق المعسكر رقم 20، في شهر تموز من العام 1983.

على الرغم من أنّ النّفق كان في الخيمة الملاصقة لخيمتي، إلاّ أنني لم أشترك بعملية الحفر، فكان هناك مجموعة صغيرة من الأسرى، يعملون على مدار الساعة في هذا العمل الجبّار.

أحدهم عمل في الحفر، والثاني في نقل التراب من الداخل، واثنين لضخ الهواء إلى الداخل بواسطة (نبريش) وصلوه إلى فتحة (غالون) من البلاستيك، عملية ضخّ الهواء كانت تتمّ بقيام أحدهم بالضغط وإعادة الضغط على فتحة إستحدثت في (الغالون) ليدفع الهواء من أجل التنفس إلى داخل النفق، عملية ضخ الهواء كانت تتم بالأرجل، أمّا عملية الحفر فكانت بواسطة أوتاد الخيم.

عندما أحرقت الخيم في كل أنحاء المعتقل تقريباً ( في 12 حزيران 1983، على ما أعتقد)، كان علينا الخروج إلى وسط المعسكر لتعدادنا، حينها عجز جنود الإحتلال الإسرائيلي عن التعداد اليومي للأسرى كما في السابق.

فبعد عملية الحرق الشهيرة، وقيامنا بإنشاء أمكنة للنوم تعمّها الفوضى، حيث شكّلت كل مجموعة خيمتها الخاصة معتمدة على قطع أغطية وأجزاء من خيم محروقة، مما سهّل على حفّاري النفق إنجاز عملهم بهدوء، أمّا التراب الذي حفر من داخل النفق كان ينقل بهدوء إلى داخل تلك الخيم الصغيرة، بعيداً عن أعين الحراس المشاة أو القابعين على الأبراج المقابلة لنا.

كان من المقرر أن يهرب من كل حزب أو تنظيم لبناني ( معسكر 20 كان يضم في ذلك الوقت لبنانيين فقط ) مجموعة واحدة، قيادة الحزب الشيوعي في المعتقل كانت قد عرفت بواسطة رسالة كنت قد أرسلتها للقيادة، بموضوع النفق.

وقبل الموعد المقرر للهروب، ناداني الرفيق “أبو الفدا ” من المعسكر المجاور، وطلب مني أن ألتقط الرسالة وألاّ أسمح لأحد غيري بقراءتها !

إلتقطت الرسالة التي كانت عبارة عن ورقة مربوطة على شكل حجر صغير، كتب فيها، بأنّه علينا تشكيل مجموعة من الرفاق، على أن تضم تلك المجموعة رفيقاً من بلدة أنصار، كونه يعرف تضاريس المنطقة جيداً، ورفيقاً من بلدة مجاورة ليتسلم بعده قيادة مجموعة الهروب.

هكذا تمّ اختياري لتسلّم المهمّة في إقليم التفاح، ومن ثم الهروب باتجاه منطقة جزّين وصولاً إلى الجبل فبيروت.

من المعسكر الذي تفصله عن معسكرنا طريق ترابية وأسلاك شائكة وفي اليوم التالي، يناديني أبو الفدا قائلاً: “إنتبه على هذه الرسالة!”، كانت عبارة عن تحية من الشيوعيين في معتقل أنصار، و عليّ أن أسلّمها شخصياً إلى جورج حاوي، في حال نجاح عملية الهروب والوصول بسلام إلى بيروت.

بعد عدّة أيام، حيث كان النفق على وشك الإنتهاء، كنّا ننتظر العدّ الصباحي، تفاجأنا بجمع كبير من الجنود والملالات والصحفيين… وعلى رأس القوّة المهاجمة، الجنرال ” باغ ” مسؤول المخابرات الإسرائيلية في المعتقل، وهو الإسم المعروف من قبل المعتقلين.

باغ توجه فوراً إلى خيمة النفق الصغيرة، بعد أن أجبرنا الجنود على الخروج من المعسكر والجلوس على الأرض. أخذ باغ قراراً فورياً بإزالة معسكر رقم 20 عن خارطة المعتقل، بعد أن تسابقت وسائل الإعلام الإسرائيلية في التقاط صوراً لـ باغ قرب باب النفق وهو يبتسم، ونحن بدأنا النظر إلى أنفسنا والسؤال:

من منّا أخبرهم بذلك…ثمّة عميل بيننا!

ضاع أمل الهروب إلى الحرية… وكان علينا البحث من جديد عن الأحلام!

السابق
الحوثيون ونفس «الكتالوج»
التالي
النساء بين عيدين للاستهلاك والتطرّف