بعيداً عن اصطفافات المنطقة العربية عامةً، ولبنان خاصةً، وأبعد من أنوف مصاصي دماء الأبرياء الذين يموتون يومياً من المغرب العربي الى مشرقه، لا بدّ من كلام الحق أن يُقال وبجرأة وحكمة ووعي.الشاعر لا يستحق لقب شاعر إن لم يستشعر هموم وتحديات وأحلام أهله وناسه وبلده وأمّته.
آثرتُ أنا شخصياً الإبتعاد عن السياسة لأنَّ في بلداننا أصلاً لا يوجد هناك متسع من حرية لأي عمل سياسي حقّ وإنما إحتراف دَجَل وإجرام وإرتهان وفساد مستشري. لكن حين يتعلَّق الأمر بأمن الناس وسلامتهم وأرواحهم، فلا بدّ لي عندها بأن أدلو بدلوي وأدافع عن الحق لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
إعترفَ وأقرَّ مؤخراً المتهم ميشال سماحة بأنه حمل المتفجرات في سيارته الخاصة من سوريا الى لبنان لتفجير البلد. ذكر وبالأسماء ممن تسلّم المتفجرات والأموال وبنك الأهداف. إعتذر من البعض الذين وردت أسماؤهم على لائحة المستهدفين والذين لو كُتب للمخطط الجهنَّمي التنفيذ لكانوا اليوم في عداد شهداء الوطن وسبب لإندلاع فتنة مذهبية كانت ستخرب البلد وتنهيه الى غير رجعة.
بالطبع لا شماتة لا سمح الله بأحد، وليأخذ القضاء دوره في هذه الجريمة وليحاكم المرتكب على جرمه، لكن لا بدّ من التأمل في هذه الواقعة وما الذي جبرَ شخصية سياسية من الصف الأول على التصرّف هكذا والإنزلاق الى هذا السلوك الشنيع؟ بئس المراكز والألقاب والأمجاد التي تنتهي مغمَّسة بالبهدلة في قفص الإتهام وبتهمة العمالة لدولة أخرى ضد أبناء الوطن، قد يقول البعض أنه لا عجب في ذلك، فمن باع نفسه وإرتهن منذ عشرات السنين سعياً وراء لقب “معالي الوزير” و “سعادة النائب” و “حضرة السياسي العروبي المخضرَم والممانع” لا يستطيع إلا القيام بمزيد من الإنغماس في ممارسة الأعمال المشبوهة الى حدّ القتل والإجرام. ولكن الغريب أيضاً في تلك الخطة الجهنمية والإرتكاب الفظيع أنَّ المتهم المعترف ميشال سماحة يبرِّر لنفسه فعلته بأن أحداً قد أوقع به في الفخّ !
لا أعرف لماذا في قضية “نصف إعترافه” شعرتُ به يتماهى تماماً مع قصة إمرأة سيئة السريرة خانت زوجها وضبطت بالجرم المشهود، وحين سألها القاضي لماذا قامت بهذه الفحشاء مع الجار، ألقت اللوم على صديقتها التي شجّعتها وعلى الجار نفسه بأنه غرّر وأوقع بها : “حضرة القاضي الحق على صديقتي التي شجَّعتني وعلى جارنا، فقد كان يغسل سيارته المركونة أمام مدخل المبنى وهو يرتدي شورتاً قصيراً وكان أيضاً يجلس أحياناً على شرفة منزله المواجه لمنزلنا لابساً الشورت الأحمر عينه !
“الذين إختشوا ماتوا” على رأي ذاك المثل الشعبي. العبرة هي التالية : الذي يرضى أن يبيع نفسه وكل مواقفه للخارج من أجل مركز ومال وسلطة، هو بحقيقة التوصيف عميل أي يعمل لحساب من وظّفه وبالتالي هو موظّف مأمور منذ اللحظة الأولى لقبوله بتلك المهمة ولسنوات، وما نقْل المتفجرات سوى الحلقة الأخيرة من مسيرته المشرِّفة، حين أكون أنا من صنعك، وأصبحت انت مرهوناً لي، يترتّب على ذلك أنه اذا طلبتُ منكَ أن تقتل وترتكب مجزرة أن تفعل؛ ستموت دفاعاً عني ولن تستطيع أن ترفض.
يا “معالي الوزير السابق والنائب السابق”، لا تَبِع نفسكَ وتلوم لاحقاً من أوقع بك، من أوقعتْ بكَ هي نفسك المرتهنة الأمّارة بالسوء ونية الأذى والإجرام والفاقدة لأدنى إحساس بالرحمة الإنسانية والشعور الوطني” إمشي عِدِل، يحتار عدوّك فيك “. يا خجل المراكز الرسمية التي وُليتَ عليها، في السياحة والإعلام كما في النيابة حين ترتضي على نفسكَ أن تكون جزءاً من جهاز مخابرات دولة خارجية، فلا تلومَّنَ أحداً سوى نفسك. يا ليته كان إعترافاً كاملاً، لربما كسبتَ فيه شيئاً من فضيلة.
هي ليست الحالة الوحيدة، مثله ربما من السياسيين كُثُر ولكن هو الذي وقع هذه المرّة. هي الحروب تُرينا فظاعات كثيرة، وهناك الكثير من المرتكبين يفلتون من قبضة العدالة…
حمى الله لبنان وشعبه، وأصلح حال أمتنا العربية. وكأننا نمضي الى حيث نخشى جداً أن نكون الى مزيد من الفتن والقتل والخراب.