حنان رحيمي: روايتي هي دعوةٌ للحياة

نصَّ روائي يضع الحياة في بؤرة النور الكاشف ويحمي الذاكرة الجماعية من النسيان هو نصُّ رواية حنان رحيمي “حياة في منتصف الموت” وظفت فيه الكاتبة انساقها وامكانياتها وسماتها الفنية والاسلوبية لتطرح من خلاله أسئلة ضمنية تخص الهوية، والانتماء، وعلاقة الانا الآخر، والبحث عن معنى الحقيقة القاسية ومعاييرها وفق طبيعة العلاقة ما بين الانسان والبيئة، واشكال الوعي والنتائج في تحولات البنية النفسية للمجتمع. وهنا حوارٌ مع “حنان رحيمي” الصحفية والشاعرة وأخيراً الروائية:

قبل ان ندخل الى عالمك الروائي، وبعد نشر ديوانك الاول “جنى المطر” وهو الاسم الذي اشتهرت به حنان رحيمي فايسبوكيا، كيف اقتحمت عالم الرواية بهذه النقلة الفجائية بعد ان توقع كثيرون ان يصدر لك ديوان يردف أخاه “جنى المطر”؟.

من يتحمل مسؤولية الحرف والكلمة لن تُحجَّمهُ التسميات..سواء كانت شعرا..ام نثراً، او قصة.. مسرحية..رواية. حين كتبت الشعر كانت لحظات تتوهج، فألتقطها حتى لا تنطفئ..وحين مارست الصحافة كنت ابحث عن موضوع يخدم المجتمع ويلقي الضوء على معاناة الانسان طلبا لبعض الحلول…اما الرواية فتلك مسألة مختلفة، فلقد سعيت من خلالها الى تحليل قطاعات ونظم اجتماعية وفكرية وثقافية لكي تسهم في تكوين النص الروائي..وفي حقيقة الامر لم يكن هدفي سرد حكاية يتسلى بها القارئ ويستمتع ثم يطويها لينام..كلا بل وقفت في لحظة ما وسط ضجيج الدم والقتل والقهر والظلم، على ابواب وطن مكسور، تحول الى مقبرة للضمائر، يحيطه زمن محطم القدمين لم يتحرك منذ عشرات السنين.. وجدت كل ما حولي في منتصف الموت.. اردت ان اصرخ من خلال روايتي: انتبهوا عودوا من موتكم الى الحياة لا تكملوا دربكم نحو الموت.. هنا لا تستطيع الومضات الشعرية ان تبوح بما يكفي فالرواية هي المجال الاوسع لايصال رسالة انسانية استطيع من خلالها ان اقول بملء الفم ما لدي قوله…وكانت الرواية حروفا لها افواه تنادي الوطن والانسان، وهذا النداء سمعه كل من قرأ الرواية قائلين: ايقظت بنا وجع الضمير في منتصف موته.

هنا يجرجرنا الحديث الى سؤال بديهي هل كانت قراءتك للروايات تأثيرٍ او مؤشرٍ او نموذجٍ لاسلوب معين اتبعته في روايتك؟

أبداً.. رغم اني ومنذ بداياتي في الاطلاع والمطالعة وحتى هذه اللحظة..لا استطيع القول ان كاتبا او روائيا حاولت اتباع نهجه او اسلوبه رغم اعجابي ودهشتي بإبداعهم.

إذن كان اقدامك على كتابة الرواية مقامرة ومغامرة دون مؤشر او دليل؟

نعم كانت الفكرة تحتل راسي منذ وقت طويل مضى..فكيف اطلق هذه الفكرة من عقالها وبأي طريقة واسلوب؟..لم تكن رواية بقدر ما كانت صرخة في وجه الضمير النائم..لا اعرف صدقيني كيف بدأت وكيف انتهيت، كل ما اذكره انني واصلت ليلي بنهاري وفي زمن قياسي وظروف صعبة، لكي اسجل تاريخاً مؤلما مر به وطني لبنان وأقدم صورة لشرائح من المجتمع أقل ما يمكن أن توصف فيه أنها فئات مسحوقة وهي نتاج من افراز واقع بغيض حيث تواجه هذه الطبقات صراعاً لا ينتهي، وتحيا واقعاً قاسياً يفرط في قسوته على هذه النماذج البشرية البائسة، من الفقراء والمتسولين والعجزة والمرضى، الذين لم يلقوا أدنى اهتمامٍ من الدولة، تلك الدولة  التي لم تنظر يوما الى الاسفل لترى ما يحدث على ارض الواقع..ولم تر يوما تلك الاحياء المنسية وسط الوجع والجوع مما القى بالمجتمع والوطن في اتون الحروب.

يذكرني قولك بالبطل المهمش عند نجيب محفوظ في روايته”اللص والكلاب” وعند محجوب عبد الدايم في روايته “القاهرة الجديدة” وكلاهما اي بطلي الروايتين تحولا الى مجرم وانتهازي تحت وطأة القهر، اي بما معناه ان مشكلة الانسان المهمش مشكلة قديمة في الادب، وهنا يبرز السؤال: هل من المفترض حكماً ان يكون دور المهمش سلبياً ليتحول الى قاتل؟..ربما يكون العكس كما في “دون كيشوت” حيث تحول الى حالم.. وعديد من الكتاب احتفوا بهذا النموذج المهمش وحولوه الى بطل.. كيف تعاملت حنان رحيمي مع بطلها المهمش وليد؟

شخصية بطل روايتي شخصية حقيقية وهناك بعض النسخ عنه من اصحاب القرار في البلد.. بطل روايتي تلقفته الحرب الاهلية البشعة وكانت له مرتعا خصيبا لانتقامه.. حاولت قدر المستطاع ان ابني الشخصية بناءا هرمياً يقوم على القهر والظلم والتراكم الزمني للحدث، وبتلقائية ودون انحياز اطلقت العنان للشخصية الرئيسية ان تكون الصوت الاخر في الرواية من خلال “الفلاش باك” و”المنولوج الداخلي” لتكشف عن جوهرها ومضمونها.. والصوت الموازي صوت الراوي الذي يسرد الحدث كما هو بشكله المباشر وبلا مبالغات ولا زخارف، وبلغة بسيطة لاترك للقارئ مساحة حرة للتفكير والبحث كي اصل معه الى النتيجة التي اسعى اليها “حياة في منتصف الموت” هي دعوة للحياة.

سؤال أخير، بعد صدور روايتك الاولى، هل تفكرين بالاستمرار في عالم الرواية ام عودة الى الشعر مرة اخرى؟.

طالما هناك بشرٌ خلقوا للسير حفاة وبشرٌ آخرون خلقوا للسير على رؤوس هؤلاء الحفاة..فلن يصمت قلمي..سأكتب الشعر والرواية معاً.. اعمل الان على كتابة مجموعة قصصية من صميم الواقع الانساني.

 

السابق
هذا الشرق العاطفي.. وهوس التآمر!
التالي
توقيف مشتبه بهما بقتل شاب في وادي خالد