فوضى الضاحية (3): مافيا الكهرباء.. إدفع ثمن 7 أمبير واحصل على 3

موتور
إنّ حاجة الناس إلى الكهرباء في لبنان، في ظل عدم وجود المساءلة والمحاسبة، تُفرعن أصحاب "المهن الحرّة". إقرأ: الحرّة من القوانين أوّلا. وتجعل هؤلاء ملوكاً في مناطقهم، ومدعومين من أصحاب السلطة والكراسي، خصوصا في ضاحية بيروت الجنوبية. "فتكبر الخسّة براسن" ويتحكّمون في خلائق الله. لكن إلى متى هذه الفوضى غير البنّاءة؟ وإلى متى يدفع إين الضاحية ثمن 7 أمبيرا ويحصل على ثلاثة فقط؟

إن أزمة الكهرباء المزمنة تبقى مقيمة في لبنان، في ظل غياب المعالجة الجدية من قبل القيمين على وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء، وفي ظل التقنين القاسي التي تمارسه خطة الدولة الاستراتيجية عبر مؤسسة كهرباء لبنان. وحاجة المواطن الملحّة إلى الكهرباء تحتّم عليه تكبّد أعباء إضافية والمكابرة على نفسه، في سبيل تمديد اشتراك من الموتور الكهربائي وإيقاع نفسه في شرك مافيات أصحاب الموتورات، ليصبح المواطن بين فكّي فاتورتي كهرباء: واحدة رسمية، تحدّد قيمتها وفق المصروف الشهري، والثانية غير محدّدة تخضع لمشيئة تجّار المولدات وأصحابها، ولما يقرّره أصحاب المولدات لاستعادة ثمن المولد وثمن المازوت ولتأمين أرباحهم الفاحشة.

في الآونة الأخيرة ارتفعت قيمة اشتراك المولد الخاص من 150 إلى 200 ألف ليرة في الشهر لكل 5 أمبير، وتتعدى في بعض الأحياء لتبلغ 225 ألف ليرة، في الضاحية الجنوبية. واذا تجرأ أحد الزبائن وساوم لفظاً على الاسعار التي تضعها وزارة الطاقة، وتراقبها وزارة الاقتصاد، وتوزعها البلديات كل في نطاقها، يكون الجواب: «روح على الوزارة والبلدية وخذ كهرباء ارخص». أو إذا كرر أحدنا، نحن سكّان الضاحية “المعتّرين”، المتروكين بلا حماية ولا قوانين، أمام أصحاب المولدات، ضرورة الالتزام بسعر الوزارة، يكون الجواب: «اذا مش عاجبك وَقِّف الاشتراك». وإذا حاول أحدنا ايقاف الاشتراك يخسر المشترك ثمن شريط الكهرباء من محطة المولد الى البيت، زائدا ثمن «الديجنتار»، ناهيك عن أنّ الـ5 أمبير تصل إليه، في حال كان البيت أبعد من 200 م، ثلاثة أمبيرات ونصف الأمبير، أو ما دون، بسبب “الضياع الطبيعي” للطاقة الكهربائية على الطريق، وفق خبراء في الكهرباء.

ومن منّا لا يعرف أنّ أصحاب المولدات محميون سياسياً، وباتوا يشكّلون مافيا. فما على المواطن إلا ان يدفع مجبرا الأموال من جيبه، ويحرم أبناءه منها، أو يلجأ الى تقنين المصاريف الاخرى، ليؤمن ثمن الضوء لأولاده في فصول الدراسة، وليقي عائلته برد الشتاء وحرّ الصيف. فيلجأ الى مروحة تغير أجواء الغرفة، إلا اذا كان ميسورا ويشترك بأكثر من 5 امبير لتشغيل مكيف. لكن هناك فئة لا تستطيع الاشتراك في المولدات، فيتفق جاران متقاربان على تقاسم الـ5 امبير بالتساوي ويدفعان ثمنها مناصفة.

وبما أن المواطن اللبناني بات في حاجة ماسّة للكهرباء وطبعاً لأصحاب الموتورات، فبات صاحب الموتور في المنطقة “سلطان زمانه” يتحّكم بسعر الاشتراك كيفما يريد، ولا يتجرأ أحد على مساءلته حرصاً على عدم خسارة الاشتراك في ظل غياب المحاسبة من قبل الدولة. وهنا يحضرني مثلاً أصبح معكوساً الآن. فبدل أن تقول: “من نِعَمِ الله عليك حاجة الناس إليك”، في الضاحية نقول: “من نِعَمِ الله عليك، استغلال حاجة الناس إليك”.

ولا يكفي المواطن ارتفاع فاتورة الاشتراك بل يعاني أيضاً من مشكلات جانبية أهمّها: عدم وصول اشتراكه الخمس “أمبير” إلى بيته، بل يعمد أصحاب الموتورات إلى حسم الـTva من اشتراكه مباشرة ومن غير ان يشعر، فيعطونه 4 أمبيرات مثلا، يصل منها ثلاثة.

وإذا احتسب المواطن الساعات التي يقطع صاحب المولّد خلالها الكهرباء من دون سبب وجيه، أو من دون سبب حتّى، وعذابات “تكّ الدّيجونكتور”، وطوراً راحت الكهرباء – إجا الموتور، “نزِّل القازان، الموتور ما بيِحمل، سيكتشف أنّه يخسر نحو عشر الوقت أو أكثر، أي بين 10 و15 في المئة.

وحين يطالب صاحب المولّد بإيصال 5 أمبيرات يبدأ الأخير بمعاتبته وتأنيبه ويطلب منه أن يخفّف الإنارة بعض الشيء عن منزله لصمود اشتراكه الـ3 أمبير. هكذا يدفع هذا المواطن كلفة 5 أمبيرات، ويحصل منها على ثلاثة، ويخسر منها أمبيرا إذا احتسبنا أوقات الانقطاع. فيصير يدفع كلفة 6 أو 7 أمبير، بسبب رفع الكلفة من دون رقيب، ويحصل على ثلاثة أو اثنين. هذا رغم أنّ أسعار النفط تهاوت في الأسابيع الفائت، وكذلك سعر المازوت.

السابق
تغييب العقل النقدي هو سبب مآسينا العربية والإسلامية
التالي
قمة استثنائية حاشدة بين «العهد» و«النجمة» غداً في صيدا