عن أخلاق الفانات والتاكسيات في ضاحية العزّة والفساد

فانات الضاحية
إلى متى ستبقى ضاحية بيروت الجنوبية تعمّها الفوضى؟ والتعالي على القانون؟ ولمصلحة من بقاء الضاحية طائفة في الفساد ومخالفة القانون ولا أحد يجرؤ على ردع هذه المخالفات، وإعلاء كلمة القانون. "جنوبية" تفتح ملفّات الفساد الاجتماعي والسياسي، ونبدأ اليوم بسيّارات الأجرة والنمر والمزوّرة...

كنت مرّة راكباً في سيارة تاكسي، كالعادة في طريقي إلى عملي، وفجأة أوقف “الشوفير” السيارة ونزل منها وأشار بيده إلى سيارة كانت تسير في الجهة المقابلة. ثم أجبرها على التوقف، وبعد الصراخ الذي أخذ يعلو قليلاً قليلاً، ولا أحد يدري ما يحصل، تبيّن أنّ “الشوفير” الذي في السيارة الأخرى يضع على سيّارته “النُمْرة” نفسها التي دفع “شوفيرنا” 30 مليون ليرة لبنانية ثمناً لها.
تفاجأت قليلاً، لكن بدا الأمر عادياً بعدما استشاط غضباً الشوفير المستنسخة “نُمرته”، وبدأ يهدّده، لكن دون جدوى، كما تبيّن في نهاية النزاع. فقال له مستهزئا: “روح ارفاع دعوى”. وركب سيّارته المزوّرة نمرتها ومضى “يتكّس” مثل سلطان في زمانه، لا يخيفه شيء ولا يردعه رادع.
هذا أمر لا يمكن أن نصادفه في منطقة بيروتيه مثل قصقص أو الطريق الجديدة، ولا في منطقة شرق بيروت مثل الدكوانة أو انطلياس. بدءا من الطيونة والمشرفية والسفارة الكويتية وكوكودي طريق المطار، تستقيل الدولة وتصبح الضاحية “حارة كل من إيدو إلو”. بعيداً عن السياسة، هذا ما يجري على الأرض.
هناك أمثلة أخرى على تصرفات شائنة تصدر عن أصحاب التاكسيات والفانات معاً. فعلى اوتوستراد السيّد هادي نصرالله أو في شارع بئر العبد، يمكن أن تشهد يوميا فان يتوقّف في منتصف الطريق ويغلق الطريق على فان آخر. والسبب أنّ الأخير جديد على “المصلحة” ومن خارج “الأمبراطورية”، وبعد دقائق يتجمع العشرات من مجموعات “الامبراطورية” وينهالون على السائق الجديد بالضرب ويحذّرونه من العمل ثانية في هذه المنطقة.
أما الطامة الكبرى فتكمن في سلوك سائقي الفانات. معظم هؤلاء مزوّدون بالعصي والجنازير وجاهزون لخوض غمار “مَشْكَل” في أي لحظة، وهو المشهد الذي أضحى مألوفاً في الضاحية. كثيرون يتّقون شرورهم بالسكون حتّى إذا وجّه أحدهم “شتيمة” من العيار الثقيل إليهم.
ناهيك عن أنّ “شوفير الفان” لا يسمع أحد وهو يحدل الفان خطوة خطوة في منتصف الاوتستراد غير آبه ما يسبّبه من عجقة سير، فيما هو يستمع إلى أغنية نعيم الشيخ أو علي الديك أو غيرهم من أصحاب الطرب النوري الأصلي الذي لا تفقه شيء من كلامهم إلا إذا كنت على موجة أصحاب الفانات وما يتبعها من مواصفات…
ولا يكتفي معظم أصحاب الفانات باختلاق المشاكل مع الأشخاص الذي ينتمون إلى الكار الواحد، بل يوسّعون نشاطاتهم بالاعتداء أو “المرجلة” على سائقي التاكسي. فمثلاً في إحدى المرّات قفز شاب من الفان شاهراً عصاه بوجه أحد سائقي التاكسي وانهال بالضرب على سقف سيارته. تجمّع بعد لحظات العشرات من الجهتين، فبدأت المنازلة لساعات على مرأى عناصر الانضباط التابعين لـ”حزب الله” و كانت الحصيلة 7 جرحى وتكسير زجاج نوافذ السيارة والفان. كل ذلك لأنّ سائق التاكسي استعمل بوق سيارته لتنبيه سائق الفان كي لا يصدم سيارته.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لأصحاب السيارات العمومية، فهم أيضاً يتألّفون من مجموعات على شكل عصابات، يسيطرون على الطريق في الضاحية، ولا يسمحون لغريب – كما يعتقدون – بالدخول إلى “أرضهم”. لكنّ أصحاب التاكسي يستمعون إلى جورج وسوف وهاني شاكر أحياناً، وليس إلى علي الديك ونعيم الشيخ.
المشترك بين أصحاب الفانات والسيارات العمومية إطلاق العِنان العالي لأبواق آلياتهم دون حسيب أو رقيب. وأيضاً هم يتسابقون في الطريق العام وعلى مرأى الجميع غير آبهين بما يحصل أو سيحصل. وهم يمتلكون “نِمَر” غير قانونية، ويستعينون أحياناً “بطساسة” لون أحمر ليطلو نُمُرهم “البيضاء” الخصوصية، غير العمومية. وأحياناً أخرى تجد النمرة الواحدة مستنسخة كالعنزة دولي، إلى 10 أو 20 نمرة، ناهيك على أنّ كثيرين من أصحاب التاكسيات والفانات يضعون محرّكات “مازوت” بدل البنزين، ما يزيد من التلوّث في الضاحية الممتلئة ناساً.
فلماذا ضاحية العزّة والكرامة ينخرها سوس الفتوّات ومنطق القوّة وغلبة القوي على الضعيف؟ ولمصلحة مَنْ يجب أن تبقى الضاحية الجنوبية عامرة بالفوضى والتعالي على القانون؟ وإلى متى ستبقى الضاحية خارجة عن القانون ولا مَن يجرؤ على المحاسبة؟

السابق
معرض بيروت للكتاب: الأسعار ترتفع… ولا حسومات للطلّاب
التالي
الجيش طلب من جميع الرعاة مغادرة جرود رأس بعلبك