عن انكسار فقراء الضاحية أمام المدارس الضعيفة

المدارس، بمختلف مستوياتها وبأقساط مدرسية مختلفة، "غبّ الطلب" في الضاحية الجنوبية، وعلى قدر ما يمكن للأمر أن يكون إيجابياً من جهة تلبية مستلزمات مختلف العائلات بمداخيلها المتوفتة، يمكنه أيضاً أن يحدث شرخاً بين مستوى طلّاب "البيت الواحد".

بات القطاع التربوي في لبنان، خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية، أسير التصنيف الفئوي والطبقي لقدرات أهالي الطلاب. بحيث أصبح المواطن يصنّف على أنه فقير أو غني يحسب المدرسة التي يرتادها أولاده. فإذا كان القسط المدرسي منخفض التكلفة نسبياً، فهو فقير، وإن كان باهظاً فهو غني. أي أنّه، في حال كان دخلك يساوي 500$ أو أقلّ فما عليك إلا أن تختار مدرسة رسمية، أو خاصّة يكون قسطها السنوي يتناسب مع راتبك الشهري، أي حوالى 700000 ليرة سنوياً. أما إن كان راتبك يتعدى 1500$، فتستطيع أن تعلّم أولادك في مدرسة خاصّة يقارب قسطها حوالى 4 ملايين ل.ل. سنويا. وهناك مدارس للـ”ملياديرية” يبدأ قسطها من 5000$ وما فوق.

فالمواطن بات همّه، أو بالأحرى – يعمل ليلاً نهاراً – لتلبية حاجاته من إيجار البيت ومدرسة الأولاد فقط لا غير. وإذا نجح الفقير في إدخال أولاده إلى المدارس، فإنه من غير المضمون أن يتربّى ولده ويتعلّم أحسن التعليم. فعليه – أي الوالد المعتّر – أن يركض وراء ولده أو ابنته ويسأل، ويدقّق من يعاشرون ومع من يسهرون حتى يتفادى دخول أولاده في متاهات غريبة. وإذا نجح أولاده في اجتياز عقبة الانحراف المدرسي من حبوب مخدّرة ودعارة، فإنهم سيقعون حتماً في مطبّ عدم أحقيّتهم في الدخول إلى الجامعة بسبب ضعف التعليم في تلك المدارس.

في تلك المدارس محدودة الدخل، يتعلم ولدك اللغة العربية العامية على أنواعها، وكلّ العادات السيئة والحسنة، ما عدا اللغة الإنكليزية والفرنسيّة، وهذا يعود إلى عدم قدرة المدارس هذه على توظيف طاقم تعليمي على مستوى مهنيّ جيّد بسبب انخفاض الرواتب، قياسا إلى انخفاض الأقساط. وفي بعض الأحيان، إذا كان الطالب متفوّقاً، يبدأ هو بتعليم الأستاذ وحلّ الفروض اليومية.

وقد يضطر الوالد أحياناً إلى أن يوقف تعليم أولاده، حفاظاً عليهم، أو ليساعدوه في تحصيل المال اللازم من أجل الأكل والشرب، علّهم يحظون بمعيشة كريمة.. وهذا ما ينتج عنه انتشار الأميّة التعليمية، التي تسود بعض أحياء الضاحية الجنوبية. حيث يتعلّم الأطفال إلى مشارف المرحلة الإبتدائية أو المتوسّطة في أفضل الأحوال. أما المواطن الذي يزيد راتبه الشهري من 1500$ وما فوق، فإنه يُدخل اولاده إلى مدارس خاصة، تتمتع بكادر تعليمي جيّد جداً وتربية حسنة، لكنّ لا تخلو من زيادة في أقساطها كلّ سنة بحجج مختلفة، أو لأجل زيادة الرتب والرواتب التي رفعت الأقساط أكثر من مرّة من دون رفع الرواتب ولا مرّة.

أما المدارس الفاحشة الغلاء فهذه فقط يرتادها ويعلّم أولادهم فيها المغتربون أو أصحاب محطات البنزين والعقارات، والنوّاب والوزراء. لا أسرد هذه الوقائع بتكليف من إحدى الجمعيات لأجري استفتاء أو إحصاء عن الحالة التربوية في لبنان، بل أسردها وأنا متعجّب بعض الشيء من غياب أصحاب الدخل المحدود عن المطالبة بتعليم أفضل لأبنائهم. ربما من الصعب مطالبة الدولة بالتعليم المجانيّ والجديّ في الوقت نفسه، لكن من حقّ المواطن مطالبة الدولة بإتاحة المجال أمام حياة كريمة تشبه “حياة الإنسان”، وإعادة ترتيب القوانين التربوية وتنظيمها، والحفاظ على الحدّ الأدنى من مستوى كفاءة الطاقم التعليمي في المدارس الرسمية.

السابق
هذه علامات السمك الفاسد
التالي
عن دور العقل الغربيّ في إنتاج صور داعش الوحشية