ثقافة الذبح: لا تخجل الحيوانات بدمويتها

اعدام
لا تتعلّق ثقافة الذبح بالدين على قدر ما هي متعلّقة بفكرة امتداد السلطة، والنقاش الدائر لا يجب أن يتّجه هول "شرعية" الذبح او تنافيه مع تعاليم الاسلام، بل الاتجاه إلى التقصّي عن هذه القوة الجديدة الآتية لتهيمن علينا، وكيفية التصدّي لها.

شاهدت منذ فترة برنامجاً وثائقياً على قناة “ناشونال جيوغرافيك” عن الحيوانات واختبائها من بعضها البعض بسبب الخوف، وهجوم الأقوى على الأضعف للتصيّد. الحيوانات فرائس لبعضها البعض، لكنّها واضحة في عدائها، وتحدّد أهدافها بلا خبث أو ريبة.
كان القنفذ يختبئ من الصقر، لكنّه لا يتوانى عن الانقضاض على الأفعى قبل أن تؤذيه ويفترسها مع سمّها الّذي لا يسبّب له الأذى إن ابتلعه، بل فقط إن لسعته به. بدا المشهد، حزيناً، لكن جزءاً من الطبيعة، أيّ أنّ افتراس الحيوانات لبعضها البعض جزء من تكوينها، بشكل أو بآخر.
الحياة في الغاب، كما نعرف، خطيرة. لم تصل الحضارة إلى الحيوانات المسكينة ولا خصّهم اللّه بنعمة العقل كما الإنسان. لذا، يمكن أن تكون تصرفاتهم مبرّرة. لكن أين نقف نحن – من نسمّى بشراً – من الوحشية؟ تأكل الحيوانات بعضها البعض في الغاب، لكن، رائحة الأشخاص – رائحة الإنسان – المذبوحين أو المقتولين تفوح في هذا العالم البشري.
لا تملك الحيوانات – وهي محظوظة – مواقع تواصل اجتماعي تبشّرها بالذبح، وهي لا تتاجر باسم الله. لكن، في عالمنا، وبعد آلاف الأعوام على هذا الوجود، وما تضمّنه من حروب ومعارك، لا نزال في المربّع الأوّل، أو مربّع ما كان يجدر بنا أن نقفز عنه.
يأتينا تنظيم داعش مهدّداً بالذبح، وينفّذ تهديده، يفصل الرأس عن الجسد، متذرّعاً بالدين. يرمي بالعقل البشري – خاصيّة الإنسان وهديته من الله – بعيداً عن الجسد كأنّه يحرم الإنسان هذه الهدية ويحاربها عبر فصلها عم عمودها الأساس.
ثمّ نسمع المدافعين عن الإسلام ضد هذه الممارسات. المسألة ليست متعلّقة بالإسلام، فهو مجرّد ذريعة، ويعود الذبح إلى تاريخ غابر في البشرية، منذ أيّأم الآلهة والأساطير. وقد عرفت مختلف الحضارات هذه الثقافة وقامت بممارسة الذبح.
الذبح ليس عقاباً، كما يحاول ممارسوه الحاليون – أي داعش – أن يوحي. إنّه صراع للبقاء واستعمار. مجرّد كلمة “الذبح” تثير الرعب في القلوب وتؤسّس لسلطة لهذا التنظيم، سلطة مبينة على الرعب. في فيلم الخيال العلمي “هايلندر” الذي يعود إلى العام 1986، يتواجه مقاتلون عصيون على الموت، وفي النهاية، حين يبقى اثنان في الميدان، لا يموت الآخر ويزول إلا عبر قطع الرأس.
المسألة ليست دينية على قدر ما هي متعلّقة بفكرة امتداد السلطة، والنقاش الدائر – أقلّه برأيي – لا يجب ان يتّجه هول “شرعية” الذبح او تنافيه مع تعاليم الاسلام، بل الاتجاه إلى التقصّي عن هذه القوة الجديدة الآتية لتهيمن علينا، وكيفية التصدّي لها. ويتّضح التعطش إلى السيطرة في الفيديوهات والصور الّتي يبثّها داعش، إذ يُجلس التنظيم ضحاياه بإذلال أرضاً، في لغة جسدية واضحة تظهر نواياه بالإخضاع.
إنّه الدمّ. الدمّ الذي يذبح مع كل رأسٍ يُقطع، فكرتنا الرومنسية عن الإنسانية، ويجبرنا على إعادة النظر فيها. ربما عندها، تصبح وحشيتنا علنية ونصبح أكثر وضوحاً في همجيتنا، وبالتالي أكثر “حيطة وحذر”، كما القنفذ الّذي يختبئ حين يعرف بمواعيد مرور الصقر قربه.

السابق
إنكلترا تحتاج لا مركزية إدارية
التالي
العسكري دياب مخطوف.. وقيادته تخونّه!