هل ينجح العبادي في تحديات ‘الشراكة والأمن والبناء’؟

حكومة شراكة وطنية تواجه الارهاب كي يحل الأمن في العراق تمهيدا للمباشرة بعملية البناء، هو البرنامج الذي سوف ينتهجه رئيس الوزراء المكلّف الدكتور حيدر العبادي في السنوات الأربع القادمة من ولايته، وبفضل إمكانياته العلميّة، وتجربته الغنية في الحكم والادارة، اضافة الى الدعم المحلي والاقليمي والدولي الذي تلقاه في الايام الماضية من المتوقع ان ينجح في انقاذ وطنه حيث فشل الاخرون.

لم تكد القوات الاميركيه تنسحب من العراق مطلع عام 2011 حتى بدأ رئيس الوزراء نوري المالكي عمله العشوائي بالسيطره على مفاصل الدوله والاستئثار بها هادما العملية السياسية فاضّا الشراكة مع العرب السنة، فأقصى ممثليهم الشرعيين والمنتخبين نوابا ووزراء عن مناصبهم كنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي اصبح طريدا خارج العراق بتهم أمنية مبهمة، ووزير المالية رافع العيساوي الذي اضطر الى تقديم استقالته منذ عامين، ثم عيّن وزير دفاع بالوكالة وهو سعدون الدليمي عازلا قائمة “العراقية” من حقها في المشاركة، وهذا ما ادى بعد ذلك الى اتساع الحاضنة السنية للتطرف التي اعادت الارهاب الى العراق عبر القاعدة ومن ثم داعش، لينقض المالكي بعد ذلك على الاكراد فارضا أمرا واقعا أمنيا في مناطقهم، فاتحا باب مستقبل المناطق المتنازع عليها وكركوك على مصراعيه، مما ولّد حالة عدائية بين الاكراد والحكومة المركزية ضربت روح الشراكة الوطنيه وأفقدت الثقة بين الاطراف ونمت روح العداء خاصة بين الأكراد ةالشيعة بعما كانوا حلفاء وشركاء مسار ومصير لعقود خلت ضد ظلم النظام البعثي الجائر.

ومن هنا فان تحديات صعبة تبرز حاليا أمام رئيس الوزراء المكلف الدكتور حيدر العبادي وهي تتضمن إصلاح ما دمره المالكي ،من حيث اعادة الشراكة مع المكون العربي السني الذي رحّب بمجمله بتكليفه بتشكيل الحكومة وباركه، وثم ترميم العلاقة مع الأكراد الذين بدأوا بمواجهة إرهاب داعش إسوة بالشيعة والمسيحيين والسنة المعتدلين انصار بناء الدولة وسيادة القانون.

لذلك فإعادة “الشراكة” مع السنة والأكراد سيكون أول تحدّ يواجهه الرئيس العبادي، ليبدأ بعده تحدي “الأمن” وتطهير البلاد من إرهاب داعش وبقايا البعث، وهذا يستدعي بالضروره اعادة تنظيم القوات المسلّحة التي ترهلت بفترة زمنية وجيزة بفعل الفساد الذي استشرى في صفوف بعض الضباط الموالين للقيادة السياسية والذين عينوا لولائهم وليس لكفاءتهم، بل ان كثيرا من الضباط الكفوئين والذين تدربوا على اسلحة أميركية معقدة طوال سنين، طردوا أو زجوا في السجون لأسباب واهية ليحلّ محلهم المحسوبين على مكتب رئاسة الوزراء، فكانت النتيجة هزيمة الموصل الشهيرة قبل شهرين وتتضعضع عقيدة الجيش القتالية الذي يضم مئات الالاف من القطاعات والالوية المشتته على مساحة شاسعة، فلم يستطيعوا مواجهة بضعة الاف من مليشيات غير مدرّبة نظمتهم “داعش” وبثت فيهم عقيدتها الارهابية الفدائية ليتمكنوا من هزيمة الجيش والسيطرة في محافظتي نينوى والانبار وأجزاء من محافظتي ديالى وصلاح الدين وهي بمجموعها تشكل ثلث مساحة الاراضي العراقية.

أما التحدي الثالث للدكتور العبادي فيتجسّد في “البناء” وهو أصعب التحديات وأشدها تعقيدا على الاطلاق، فلم تنجح الحكومات المتعاقبة في اعادة الكهرباء، ولا بناء مدارس جديدة كما كان مخططا، وكذلك المستشفيات، كما انه وبسبب الفساد الاداري وغياب الأمن في بعض المناطق، تراجعت خدمات قطاع الاتصالات بشكل حاد في السنوات الاخيره بعد طفرتها في السنوات الاولى عندما تولى الدكتور العبادي نفسه وزارة الاتصالات في عهد أول حكومة شكلها مجلس الحكم عام 2003، فبعد أشهر معدودة من انتهاء الحرب، تمكن وقتها من إدخال تكنلوجيا التهاتف عبر الانترنت وتمكن بفضل خبرته في المجال التقني (يحمل اجازة دكتوراه من بريطانيا في الهندسة الكهربائية والالكترونية) وبراعته في التنظيم، من تشغيل قطاعي الهاتف الخلوي وخدمة الانترنت لأول مرة في العراق، وكان عملا بدأه من الصفر، لان سلاح الجو الاميركي كان قد دمّر كل السنترالات ومراكز الاتصالات في البلاد اثناء الحرب. فهل يكرر رئيس وزراء العراق العتيد تجربته الناجحة في وزارة الاتصالات قبل عشر سنوات ويتمكن الدكتور العبادي من حل عقدة التنمية كما حلّ عقدة قطاع الاتصالات قبل عشر سنوات ؟

حكومة شراكة وطنية تواجه الارهاب كي يحل الأمن في العراق تمهيدا للمباشرة بعملية البناء، هو البرنامج الذي سوف ينتهجه رئيس الوزراء المكلّف الدكتور حيدر العبادي في السنوات الأربع القادمة من ولايته، وبفضل إمكانياته العلميّة، وتجربته الغنية في الحكم والادارة، اضافة الى الدعم المحلي والاقليمي والدولي الذي تلقاه في الايام الماضية من المتوقع ان ينجح في انقاذ وطنه حيث فشل الاخرون.

السابق
’14 آذار’: أحرار السنة هم دعاة قيام الدولة الحقيقية
التالي
فرنجية: سننتصر بوعي شعبنا على كل اشكال الفتنة