جنبلاط : أليس الانتداب والحكم العثماني أفضل من التناحر المذهبي والديكتاتورية؟

وليد جنبلاط

أدلى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بموقفه الأسبوعي لجريدة “الأنباء” الالكترونية جاء فيه:
“ماذا لو بقي الانتداب الفرنسي أو البريطاني أم حكم السلطنة العثمانية، ألم يكن أفضل من حالة التناحر المذهبي والطائفي التي نشهدها تتفاقم يوما بعد يوم وآخر تجلياتها في العراق؟ ألم تكن تلك الحقبة التي لعناها آنذاك فيها الحد الأدنى من عمل المؤسسات وشكل من أشكال الدستور والنظام العام؟
ماذا لو بقي الانتداب الذي أدار الصراع في منطقة الشرق العربي التي كان فيها حينئذ الدول الوطنية في سوريا والعراق وسواهما وبرز فيها العديد من رموز النضال العروبي والقومي وتميزت بالتعددية والتنوع والديمقراطية؟ وحتى في الحقبة التي تلت الانتداب كان هناك في العراق تعددية وديمقراطية، ولو غير مكتملة العناصر، في حقبة الملك عبدالله وحكومات نوري السعيد حتى بداية عهد عبد الكريم قاسم. والامر ذاته في سوريا، وان بصورة متقطعة، في المرحلة التي سبقت انقلاب حسني الزعيم وصولا إلى ما قبل الجمهورية العربية المتحدة. فهل نذكر مثلا بمدرسة حمص العسكرية التي خرجت كبار الضباط والعسكريين ومنهم اللواء فؤاد شهاب والمئات ممن تميزوا في مواقع مختلفة؟
ماذا لو بقي الانتداب الذي أنشأ الادارات والمؤسسات العامة ووضع التشريعات الاساسية التي شكلت القاعدة القانونية للكثير من البنى الادارية والمؤسساتية الراهنة؟
ماذا لو بقي الانتداب بدل أن يفسح المجال لقيام الانظمة الديكتاتورية وفي طليعتها لعنة البعث في سوريا والعراق وهي من أسوأ النظريات العقائدية التي توازي الفاشية والنازية، وقد شخصنها النظام الاسدي في سوريا والنظام الصدامي التكريتي في العراق؟ هذه الانظمة مسؤولة بالدرجة الأولى عن تفريغ المجتمعات من النخب السياسية وهي المسؤولة عن تدريب وتنظيم وإيواء التنظيمات المتطرفة التي بدأت تمتد رويدا رويدا نحو المناطق المختلفة في سوريا والعراق.
أستذكر في هذه الاوقات المؤرخ الراحل زين زين الذي يبدو حاضرا في كل لحظة من أحداث هذه المرحلة، فها هو النظام العربي الذي بني على أشلاء السلطنة العثمانية والولايات السابقة نتيجة الحرب العالمية الأولى منذ قرابة مئة عام يتلاشى تدريجيا. لقد سبق أن قطعت عهدا على نفسي أن أضع باقة من الزهور على ضريحي السيدين مارك سايكس وفرنسوا بيكو. فيبدو أن الحدود التي رسماها واتهما حينئذ بأنهما وضعا الحواجز المصطنعة بين الدول الشقيقة، يبدو أنها كانت أفضل بكثير من الحواجز التي تسقطها داعش وأخواتها ممن ترعرعوا في سجون الديكتاتوريات لا سيما في سوريا والعراق.
أما السيد بلفور، صانع الوعد الشهير بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، فأتخيله في هذه اللحظات يحتسي كأسا من الشمبانيا بكثير من الغبطة والفرح، ويقلب على ظهره من الضحك لما يراه من اقتتال مذهبي قد يمتد أجيالا إلى الامام. أليس هذا حال حكام إسرائيل اليوم؟
ختاما، وأما وقد حدث ما حدث ولن نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وعدنا إلى نظرية ابن خلدون في تعاقب دورات الحضارة وقد عدنا كما يبدو من المدنية إلى البداوة مجددا، فلنحافظ كلبنانيين على هذه البقعة، لبنان الكبير، بما تمثله من تعددية وتنوع وديمقراطية رغم كل عثرات النظام السياسي الحالي بعيدا عن السجالات العقيمة التي لا تنتهي فيما يتعلق بالتورط في سوريا والسلاح وقضايا خلافية أخرى التي سيتبين لاحقا أنها قضايا ثانوية قياسا لحجم المخاطر والتحديات المقبلة، وذلك قبل فوات الاوان والدخول في مرحلة قد يغيب عنها ترف النقاش السياسي”.

السابق
شركة سما القريبة من حزب الله تحصد مكاسب المونديال
التالي
بطرس حرب: حبيب الشعب في زمن الحرامية