على هامش الإضرابات: ماذا تعلّمت في المدرسة؟ لا شيء فعلاً

ماذا تعلّمت في المدرسة؟ لا شيء أكثر من القراءة والكتابة. بالنسبة لي شخصياً، كل ما تعلّمته كان من الكتب الأدبية والحياة. تعلّمت لاحقاً أيضاً أنّ فلسطين محتلة وأنّ سوريا "الشقيقة" هي الداء المستعصي وأنّ المناخ الّذي بات شديد الجفاف يتركنا من دون مياه وأنّ الاستقلال مزحة سمجة.

ماذا تعلّمت في المدرسة؟ لا شيء  أكثر من القراءة والكتابة. بالنسبة لي شخصياً، كل ما تعلّمته كان من الكتب الأدبية والحياة. تعلّمت لاحقاً أيضاً أنّ فلسطين محتلة وأنّ سوريا “الشقيقة” هي الداء المستعصي وأنّ المناخ الّذي بات شديد الجفاف يتركنا من دون مياه وأنّ الاستقلال مزحة سمجة. 

  

يقع لبنان على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. يتميّز بمناخه المعتدل واتفاع تضاريسه الجغرافية عن سطح البحر. ويحدّ لبنان من الشرق والشمال سوريا ومن الجنوب فلسطين. حصل لبنان على استقلاله في 22 تشرين الثاني من عام 1943. حين اجتاح الجراد لبنان قبيل الحرب العالمية الأولى، قضى على الأخضر واليابس ومات المئات بسبب المجاعة. تتكون ثروة لبنان المائية من … ويُعتبر بلداً جاذباً للسيّاح.

منذ بضعة أسابيع، في واجبات ابنتي في صفها الثالث ابتدائي، كان هناك أيضاً موضوع في كتاب القراءة عن رجل مغترب لبناني عاد إلى كندا بعد زيارة إلى لبنان وأحضر لأولاده بطاقات وصور عن بلدهم الأم وراح يشرح لهم عن لبنان وقرب البحر من الجبل وقدرتهم على ممارسة التزلج والسباحة في البلد نفسه. تفاجأ الأحفاد أيضاً وتحمّسوا لهذه البلاد الرائعة ووعدوا بزيارة بلدهم في المستقبل.

لم يخطر لابنتي أن تسألني لماذا لجأ الجد إلى الاغتراب طالما أنّ لبنان على هذه الدرجة من الروعة ولم أثر انتباهها لهذا الموضوع. قرأت بشكل جيد، طبعت قبلة على خدّها كما يحدث في الحكايا الوطنية الجميلة وأبقيت امتعاضي لنفسي. رحت أكرّر في ذاكرتي ما تعلّمته عن بلادي في الحقبة الدراسية كلّها واستنتجت أنّي لم أحصل على أيّ معلومات حقيقية. هراء.

كبرت وتعلّمت اللّغات في المدرسة وعلم الأحياء والرياضيات والاقتصاد والاجتماع والمادة الوحيدة الّتي تمكّنت أن تستفزّ حواسي كانت الفلسفة. كانت درجاتي المدرسية دائماً جيدة على الرغم أنّي لم أكن يوماً من التلامذة الّذين يحبون الدرس. ولكن صدقاً، شعرت بضع مرات فقط أنّي مهتمة بما ندرسه أو أنّ الموضوع يمسني.

المرة الأولى كانت في صف الخامس حين قرأنا “البؤساء” لفكتور هوغو والمرة الثانية في مرحلة المتوسط حين صارت مادة علم الأحياء متعلقة بالجسد والتفسير البيولوجي للدورة الشهرية للفتيات وأمور كهذه. المرة الثالثة حين أدخلوا مواد الحضارات والاقتصاد والاجتماع إلى المرحلة الثانوية. كنت أيضاً متحمسة للآداب والرياضيات. والمرة الأخيرة التي جلست فيها في الصفوف الأمامية مستنفرة حين بدأ أستاذ الفلسفة في اللغة الفرنسية بشرح الوعي واللاوعي ونظرية فرويد. والحقيقة أنّ جزءاً من اهتمامي وانكبابي على الدرس كان إفتتاني بالأستاذ القوي البنية والجذاب والممتع في الشرح.

أذكر أيضاً أنّهم باتوا يصطحبونا لورشات عمل عن سوق العمل لتوجيهنا حول الاختصاصات التي يجب أن نتجه إليها. لم يكن هناك وعي للمستقبل في داخلنا أو فهم لمعنى سوق العمل ولم يخبرنا أحد عن المستقبل القاتم للعمل في لبنان. لا أعرف إن كان الأمرمتعلقاً بظروف شخصية كي تبدو كل تلك المرحلة ضبابية كأنّ تفكيري فيها كان بطريقة أو بأخرى منفصلاً عن الواقع أو إن كانت قدرة الذهن على الاستيعاب في ذلك العمر محدودة جداً مقارنة بمرحلة ما بعد خوض الحياة وتجربتها فعلياً.

في امتحانات الشهادة الثانوية، كنت في عزّ “جهلة المراهقة” منصرفة إلى الانترنت الذي بدأ يصبح شائعاً حينها وغير راغبة في الدرس. حتّى أنّ خالتي احتجزتني مع الكتب على مدى ثلاثة أيام في بيتها البعيد حيث لا انترنت لكي أدرس. المهم أنّي نجحت وكانت علاماتي جيدة ولكني لا زلت لا أذكر الآن سوى نظرية فرويد وبعض الأمور البسيطة من النظام التعليمي كلّه.

ولو عاد الزمن إلى الوراء وكان خطر مقاطعة الامتحانات في زمني، لفرحت على الأرجح وتمنّيت أن تتمسّك هيئة التنسيق بقرارها. ولكن نظراً أيضاً إلى التقدم في السن والوعي الّذي يحتّم علينا حين نكبر أن نؤمن بأهمية التعليم الأكاديمي على الرغم من شعورنا أحياناً بعدم جدواه، لا يمكنني إلّا أن أشعر بالأسف لمصير الطلاب المعلّق. ويمكنني أن أقرأ فيه إشارة واضحة إلى المرحلة اللاحقة الّتي ستصيبهم في هذه البلاد.

سيخرجون إلى الجامعة ويشهدون الانقسامات السياسية هناك وسيدرسون ويتعبون لتغلق بلادهم الفرص أمامهم وسيحزنون. البعض سيشعر بالإحباط والبعض الآخر بالتحدي ولكن الأمر الوحيد الذي قد أكون شبه متأكّدة منه هو أنّ أحلاماً كثيرة عن الهجرة ستراودهم وسيصبحون خائفين مثلنا ومتوترين وقلقين على مستقبل لا تؤمّنه لنا هذه البلاد.

ماذا تعلّمت في المدرسة؟ لا شيء قد أقول أكثر من القراءة والكتابة. بالنسبة لي شخصياً، كل ما تعلّمته كان من الكتب الأدبية والحياة. تعلّمت لاحقاً أيضاً أنّ فلسطين محتلة وأنّ سوريا “الشقيقة” هي الداء المستعصي وأنّ المناخ الّذي بات شديد الجفاف يتركنا من دون مياه وأنّ الاستقلال مزحة سمجة.

المناهج الدراسية تبدو تافهة جداً أمام كلّ شيء آخر وتبدو أشبه بتمرين على الانصياع للنظام الاجتماعي. يجب أن ندرس كل المواد، ما نحب وما نكره. يجب أن نبتلع كل ما يلقوننا إيّاه. هذا النظام الاجتماعي الّذي يسكننا ولا نستطيع تحطيمه فحتّى مثلا لو حلمت اليوم لابنتي بنظام آخر، لا يمكنني سوى أن أستاء إن قصّرت في دراستها. إنّه أقوى منّا. هذا أيضاً درسه الأكبر.

السابق
الثوار يطلقون معركة «تل الجموع» من درعا
التالي
حركة أمل: لا علاقة لنا بإحراق السيارات في الجنوب