جنس وفضائح.. ما يلزم لصناعة عنوان

يمكن المواقع الإلكترونيّة أن تفعل المستحيل للحصول على المزيد من القرّاء. قد نصل إلى يوم، ترفق بعض المواقع الفنيّة عناوينها بعبارة «إن لم تضغط لايك، فتأكّد أنّك ستصاب بالشلل». لا نبالغ في قولنا هذا، إذ أنّ بعض المواقع تتفوّق على نفسها في ابتكار عناوين رنّانة، وعلى قدر عالٍ من الغرابة والابتذال والتضليل.

يكتسب العنوان أهميّة كبرى في صناعة الخبر، ويعدّ صلة الوصل الأولى مع القارئ. ولكن، بذريعة رفع نسب التصفّح، تبتعد بعض العناوين عن المعايير المهنيّة، وتلامس حدّ الاستخفاف بالقارئ، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بأقسام «الفنّ» أو «المنوّعات» في المواقع الالكترونيّة. هنا تميل العناوين إلى خداع القارئ بشكل صريح. على سبيل المثال، تقع على خبر بعنوان «اختطاف شقيقة سعد رمضان»، ليتبيّن أنّ الاختطاف لم يحصل في الواقع، بل في فيديو كليب جديد للمغنّي اللبناني. أضف إلى ذلك عشرات العناوين عن أخبار وهميّة لزواج أحد المشاهير، أو طلاقه، أو وفاته، أو خسارته بعض الوزن.

يقول الأستاذ المحاضر في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة جورج صدقة، إنّ قواعد وضع العنوان بسيطة، وأبسطها أن يكون معبّراً عن مضمون النصّ. «تشهد الصحافة الإلكترونيّة تراجعاً في المستوى التحريري، لذلك تلجأ إلى الإثارة للفت القرّاء. وذلك يدلّ على ضعف المضمون، وعلى صعوبات ماديّة كبيرة تواجهها المؤسسات، فتحاول جذب المعلنين بأيّ ثمن، وإن كان ذلك على حساب خسارة ثقة القرّاء».

يرى مؤسس موقع «ليبانون ديبايت» ميشال قنبور أنّ اللجوء إلى التضخيم في العناوين، ليس بتقنيّة جديدة تعتمدها الصحافة الإلكترونيّة، بل كانت حاضرة دوماً في الصحافة الصفراء. يقول إنّ عين القارئ تصطدم بشكل يومي بآلاف العناوين، ووسط تلك الزحمة، لن تلتقط إلا العناوين المميّزة.

لا تقتصر استراتيجية المواقع الإلكترونية على التضخيم في العناوين، بل تعتمد على قوالب جاهزة تضمن الإقبال على الخبر، مثل التحذيرات، «احذروا هذه العلكة»، أو النصائح، «اجعليه يعشقك في ثلاث خطوات»، أو التمويه، «لن تصدّقوا مَن هي صاحبة الصورة». ولكسر الروتين، يمكن إضافة بعض عناصر التشويق، لنحصل على عنوان من نوع «تصريح صادم.. لن تصدّقوا مع مَن مارست الجنس مرتين!». وهنا محور الخبر هي ممثلة أوكرانية ادّعت أنها مارست الجنس مع الأشباح.

أمّا الدراسات العلميّة والطبيّة، فهي بضاعة متوفّرة في جميع الأسواق الإلكترونيّةـ وتتجدّد يوميّاً. يمكن أن تعتمدي سيّدتي على «حمية تنقص ثلاثة كيلوغرامات في أسبوع»، وتعودي إلى الموقع في اليوم التالي، لتجدي أنّ دراسة جديدة تحذّر من خسارة أكثر من كيلوغرام واحد في الأسبوع .

ومن الأساليب المعتمدة أيضاً، إقحام كلمة «فضيحة» في أيّ عنوان، فبعد أن راجت موضة «فضيحة هيفا»، و«فضيحة ميريام فارس»، انتقل التشويق إلى العناوين السياسيّة فبتنا نقرأ «فضيحة مدوّية للرئيس الأسد»، و«فضيحة وسقطة إعلامية كبرى في حديث السيسي».

ويكفي أن نطّلع على خانة «الأكثر قراءة» لندرك أنّها واقعة تحت سيطرة كلّ ما يمتّ بصلة إلى الجنس، مثلاً: «سلبها عذريّتها عبر «فايسبوك»؛ و«بالفيديو، صاحب أطول عضو ذكري يعرضه في متحف الأعضاء الذكرية!»، «بالصور، شاهد فيلماً إباحياً، فاكتشف أنّ زوجته البطلة».

لا تعتبر هذه الاستراتيجية صناعة لبــنانيّة محليّة، فالمواقـع الإلكترونية الأجنبيّة ليست بعيدة عن اعتماد الأساليب ذاتها، كموقع «باز فيد» أو مجلّة «كوزموبوليتان».

وفي السياق عينه، يلفت صدقة إلى أنّ تلك الصحف تعتمد بدورها على ثلاثة مواضيع رئيسيّة، لاستمالة القراء، وعي الجنس والفضائح والرياضة» SSS- Sex, Scandal, Sport. ويلفت صدقة إلى «أنّ صحيفة «بيلد»، وهي من الصحف الأكثر مبيعاً في ألمانيا، تعمد إلى نشر صور فتيات عاريات على صفحتها الأولى، لتبيع أكثر من خمسة ملايين نسخة. وفي بريطانيا ترتفع نسب مبيعات الصحف، عندما تتصدّر فضائح العائلة المالكة صفحتها الأولى. يجزم صدقة أنه لا يمكن إلغاء هذا النمط من الأخبار، أو المواد الصحافيّة، لأنّ لها قرّاءها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الإمعان في الاستخفاف بعقل القارئ.

لا ينفي مؤسس موقع «ليبانون ديبايت» ميشيل قنبور أنّ العناوين التي تحظى بالنسبة الأكبر من الإقبال، تعود إلى المواضيع الجنسيّة، أما المواضيع السياسيّة والاجتماعية، فلا تلقى الرواج ذاته. يقول: «موقعنا يقدّم كلّ أنواع الأخبار وللقارئ حرّية الانتقاء، لا نلعب دور الرقيب لنصنّف أهميّة المواضيع نيابة عن القارئ، فلا يمكن أن أقول عن المواضيع الجنسيّة أو أخبار المشاهير إنها تافهة، طالما أن القارئ هو من يختار تصفّحها والدليل على ذلك أن كلّ المواقع الناجحة تخصص مساحة كبيرة لأخبار المنوّعات». ولا ينكر قنبور حصول بعض التجاوزات كاشفًا عن ورود بعض الملاحظات إلى الموقع حول تضخيم العناوين: «نعمل على الحدّ منها لكن في صناعة العنوان لا يفصل بين الجاذبيّة والتضخيم سوى شعرة».

السابق
ناظم الخوري: الرئيس سليمان لا يريد التمديد
التالي
إصابة سجين في سجن زحلة بصعقة كهربائية