على هامش ضحايا المنار: اللّبنانيون يحبون بعضهم في الموت فقط

تشييع حمزة الحاج حسن
يصبح اللّبناني الّذي يعبّر عن رأي مغاير عن الموت العدو الوحيد في وجه "الوحدة الوطنية". يصبح وقع الحقيقة نوعاً من "أنواع الشماتة" والمطلوب من الجميع أن ينضمّ إلى هذا اللّطم الجماعي كأنّنا غير مسؤولين عن الحال الّذي أصبحنا عليه، كأنّنا جميعاً غير طائفيين وغير حزبيين وغير إلغائيين. كأنّنا في هذه الحالة فقط نرى انعكاساً لأنفسنا في هذا الآخر. كأنّه مسموح لنا أن نحبّ بعضنا البعض جثثاً فقط وأن نبقى على عداء وكراهية طالما نحن أحياء.

قد يكون الموت هو الوعي الأوّل للحياة. يغيّر في المرء الّذي يختبر فقدان صديق أو قريب أو أحد أفراد العائلة ما يغيّر. يجعله أكثر زهداً أحياناً ويجعله ينطوي إلى قوقعته مستسلماً لوقع الخسارة. أو على العكس، يجعله أكثر شراهة للحياة كأّنّه يحاول أن يقتنص منها ما استطاع. الأمر المؤكّد هو أنّ الموت لا يمرّ مرور الكرام من دون أن يحفر عميقاً في النفس البشرية ولو في لاوعيها.

الأمر الملفت في المشهد اللّبناني الجماعي هو هذا التكاتف الأهلي في الموت فقط. اللّبنانيون (معظمهم) يلقون خلافاتهم جنباً عندما يراودهم شبح المنية وينسون فجأة الأحقاد وينادون للتعالي على الجراح.

الخلاف الوحيد الّذي يبقونه بينهم هو عن “جدارة الشهادة”. يصبحون فجأة (أو يحاولون أن يكونوا) شعباً راقياً ومتكاتفاً كما حدث في شعارات “من طرابلس، هنا الضاحية” و”من الضاحية، هنا طرابلس”.

ربما في البعد السيكولوجي للمشهد يبعث الموت شعوراً جماعياً باقترابه، بأنّ أحداً ليس خارج هذا السكّين والشبح الّذي قد يقبض على الجميع من جون جرس إنذار. “ماذا لو كنت أنا الميّت أو أحد أقربائي”، سؤال يعبر في الذهن الجماعي لهؤلاء ولو عن غير قصد، خصوصاً المستغرقين في الصراعات السياسية.

البعض الآخر طبعاً يفضّل الحفاظ على الأحقاد ويصبح أكثر استشراساً في الدفاع عن الموت، فيما يشي أيضاً عن خوف مستتر. أليس العنف والإفراط فيه (لغةً وفعلاً) دليلا على عدم التوازن؟ أليست العدائية أيضاً دليلا على ضعف الحجّة والخوف؟ وأليس الاستكبار وجهاً من وجوه النرجسية المريضة؟

يصبح اللّبناني الّذي يعبّر عن رأي مغاير عن الموت العدو الوحيد في وجه “الوحدة الوطنية”. يصبح وقع الحقيقة نوعاً من “أنواع الشماتة” والمطلوب من الجميع أن ينضمّ إلى هذا اللّطم الجماعي كأنّنا غير مسؤولين عن الحال الّذي أصبحنا عليه، كأنّنا جميعاً غير طائفيين وغير حزبيين وغير إلغائيين.

ليست المشكلة في النعي الجماعي، سواء لفريق عمل المنار أو لموتى آخرين في ظروف مختلفة. المشكلة الحقيقية أنّ هذا التعاضد والتسامح يصبحان من سمات الموت. كأنّنا في هذه الحالة فقط نرى انعكاساً لأنفسنا في هذا الآخر. كأنّه مسموح لنا أن نحبّ بعضنا البعض جثثاً فقط وأن نبقى على عداء وكراهية طالما نحن أحياء.

ربما لو تذكرنا في الأحوال العادية أنّ مصيرنا جميعاً متشابه وأنّنا مجرد عابري سبيل في هذه الحياة، لخفّفنا من عنجهيتنا وربما معها من قتلانا وشهدائنا.

السابق
الإدريسي رئيسا للإستخبارات السعودية بعد إعفاء الأمير بندر من مهامه بناء لطلبه
التالي
يمكن الجمع بين الحزن على الشهيد.. والاختلاف معه