سليمان بوجه “الخشب”: معركة الدفاع عن الكيان

الرئيس ميشال سليمان

لعل اكثر ما هو مزعج في شخصية الرئيس ميشال سليمان، بالنسبة إلى قيادة حزب الله، هو اصراره على تناول الموضوعات الوطنية الكبرى والمسألة الكيانية اللبنانية. اذ لم ينهمك هذا الرئيس طيلة مدة ولايته بالبحث عن سبل الدخول في المحاصصة، فلم يسع الى المساومة على تعيينات موظفي الفئة الاولى وما دونها من أجل اخذ حصة كبرى منها، تتناسب مع الموقع الماروني الاول في الدولة، كما هي حال ثنائية امل – حزب الله، وثنائية الحريري – ميقاتي في السراي، منذ ما بعد اتفاق الطائف. مطالب الرئيس كلفتها عالية لا ينفع معها اغراء التمديد، ولا التمويل، كما لم ينفع التهويل. لذا فهو مزعج ﻷنه يخوض معركة عنوانها الدفاع عن الكيان المهدد ووجود الدولة.
للإنصاف لم يكن ميشال سليمان يوما يسعى إلى مخاصمة حزب الله، بل منذ بداية عهده بدا مسايرا ومدارياً له، وراغباً في فتح قنوات حوار جدية معه حتى أنه حين اقرار مشروع قانون الانتخابات النيابية عام 2009 اتهمته قوى 14 آذار بأنه ساير مطلب حزب الله وحلفائه. وظل الرئيس ساعياً الى مزيد من فتح القنوات تجاه حزب الله والاخير يزداد دلالاً، بل استعلاءاً.
كان على اقتناع بأنه رئيس الشعب والجمهورية، ورغم الاختلال في توازنات السلطة حين تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لم يخرج الرئيس على ما كان يقره الدستور، فلم ينحز الى اعتراضات تيار المستقبل وقوى 14 آذار رغم الخيبة التي طالته من استقالة “الوزير الملك” حينها عدنان السيد حسين بما تضمنته هذه الاستقالة من اصرار على تحديه، بحيث لم يراع موقفه الذي طالب بتأجيلها وإن لأيام قليلة.
لكن منذ تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي برعاية حزب الله كان لا بد لرئيس الجمهورية أن يعوض فقدان التوازن في الحكومة، بالخروج من سياسة المراعاة نحو الاستقلالية. بحيث يمكن القول إن الرئيس سليمان في النصف الثاني من عهده، وان لم تتبدل قناعاته وثوابته الوطنية، فإننا نلاحظ تبدلا في أسلوبه من اجل الوصول الى الاهداف عينها.
هو أسلوب حافظ على عدم الانجرار نحو الاستقطابات المذهبية والطائفية، وذهب بخطى ثابتة نحو مقاربة جديدة للأزمة الوطنية والعناوين التي تمسّ الكيان. تلك التي لا يستقيم الكيان ولا الدولة بدونها. وهو لذلك كان يواجه مشروعا يحاول إعادة انتاج كيانية لبنانية على نسق حزب الله. كيانية لبنانية تقوم على فكرة تحالف الاقليات، وكيانية تتيح للحزب أن يقرر هو الحرب، الحزب الذي هو وحده من يحدد الاعتداء الخارجي، وهو وحده من يقرر الرد وتوقيته. كيانية تفرض على اللبنانيين والدولة أن يسلموا، من دون أي حق لهم في المشاركة، بقرار كفتح حرب في سورية. ولأن هذه الكيانية التي يسعى حزب الله الى تثبيتها تعطيه حق التفرد بامتلاك السلاح والقتال بغطاء من الدولة وبمعزل عن مشورتها في الداخل والخارج، فهي كيانية لا يمكن أن تقوم عليها دولة ولا استقرار. وهي مشروطة بمزيد من نشوء كيانات مذهبية وطائفية مغلقة على نفسها غير قابلة للتفاعل الايجابي ضمن شروط الدولة والشعب الواحد.
يسجل للمسيحيين اللبنانيين في هذا السياق، وبخلاف المسلمين على اختلاف مذاهبهم، أنهم الاكثر حساسية تجاه الكيانية واعتناءً بها حيال أيّ تهديد يطالها. فلدى السنة، رغم اللبنانية التي يحاول تيار المستقبل تثبيتها، يظل مراعياً العصبية السنية العابرة للحدود. تلك التي لا تحمل نفساً لبنانياً. أما الشيعية التي يطرحها حزب الله اليوم لا مكان للبنان الكيان فيها. فالدولة الحقيقية والوحيدة الثابتة هي ايران. لذا ليس لديها جواب حول معنى الانتماء إلى لبنان، وايّ كيان تريد.. فيما يصر حزب الله على وضعية امنية وسياسية وايديولوجية لا تستقيم عليها الدولة، الا كبقرة حلوب.
ما دفع الرئيس سليمان إلى انشاء “اعلان بعبدا” أنه وثيقة مبادىء عامة لا يمكن لأي مواطن في اي دولة رفضها. وﻷنها بديهية، فهي تكشف، برفض حزب الله لها، كم ان الكيان بخطر وثوابته مهددة. إذ عندما تصير مرجعية الدولة لسلاح حزب الله وسلاح المقاومة كفر، مع ان حزب الله في مقدمة اعضاء الحكومات وطرفا في مغانمها، وعندما يرفض الانصياع لشروط الشراكة الوطنية، فهذا يعني أن هناك ازمة ثقة بالدولة وسلطاتها.. تحديدا في وثيقة بكركي التي لم يرحب بها حزب الله ولم يرفضها، رغم ترحيب كل الفرقاء بها، وربما بسبب الترحيب الواسع بها. فهي امتداد لاعلان بعبدا، وصدى عميق له. والوثيقتان تعكسان في جوهرهما حسابات وطنية لا طائفية ولا فئوية. وهما تعبران أيضاً عن مسار يزداد وضوحا في الشارع المسيحي والماروني خصوصا، يستشعر قلقا وجوديا على الكيان. وهما تعبير عن تململ متصاعد في الشارع المسيحي، بما فيه شارع التيار الوطني الحر، من الغرق في الوحول السورية، ومن تجاوز حزب الله المتزايد لشروط الكيان.
يجب أن يدرك حزب الله أن انتفاضة سليمان الكيانية قامت حين لم يترك حزب الله للصلح مطرحاً. وهذه المواجهة هي أحد أشكال التقهقر اللبناني لحزب الله. الذي إلى المواجهة مع النقمة السنية، يواجه الرئيس، وعلاقة مرتبكة مع بكركي، فيما الحليف العماد ميشال عون “ساحب ايدو”.

السابق
نائب وزير الخارجية الروسي: لا أحد في روسيا يريد حرباً مع أوكرانيا
التالي
زهرا: موقف الحزب الوقح يؤكد من جديد أنه مأمور من الخارج