لبنان ومثقّفوه وفنانوه والشرخ العميق

لبنان
لم يفكّر أحد أنّ لحّود التي تمتلك خلفية فنّية ممتازة وتغنّي بثماني لغات يجب ألا تكون في برنامج للمبتدئين ولو كان برنامجاً معروفاً. لم ينتبه أحد إلى أنّ هذه الفنّانة يجب أن تكون في مكانٍ آخر كمحترفة في بلادها وعالمها العربي ليشكّل لها هو نافذة إلى العالمية.

عندما منح رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان الكاتب أمين معلوف وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، خلال احتفال تكريمي أقيم في القصر الجمهوري في بعبدا العام الماضي، أثار المشهد بالنسبة لي أسئلة كثيرة عادت إلى ذهني منذ يومين بعد أن اشتركت الفنانة اللّبنانية آلين لحّود في برنامج the voice بنسخته الفرنسية، الذي على أهمّيّته، يبقى برنامجاً للهواة.
يوم تكريمه وقف أمين معلوف يستمع إلى الكلمات الإنشائية الّتي تشيد بإنجازاته والّتي بادلها بالمثل من تشكّرات وعبارات تعبّر عن فرحه بأن يتكرّم في لبنان. السؤال الأوّل الذي طرحته على نفسي: هل كان كاتب “ليون الأفريقي” و”الهويات القاتلة” ليحظى بهذا التقدير “الشكلي” في لبنان لو لم يكن قد حاز من قبل على اعتراف خارجي بموهبته ولو لم يكن فائزاً بجائزة غونكور الفرنسية الشهيرة؟
السؤال الثاني كان عمّا إن كان الحاضرون في التكريم مطّلعين فعلاً على أعمال معلوف.
لا بدّ أنّها كانت لفتة كريمة أن يصدر طابع بريدي يحمل صورة معلوف تكريماً له ولعطاءاته ولكن هل كان هناك تفاعل ثقافي فاعل بينه وبين الدولة اللّبنانية؟
بعد فترة من تكريم معلوف، صادف أنّي كنت بين مجموعة كتّاب مدعوين إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب وصادف أيضاً أنّ لبنان كان ضيف الشرف في المعرض. كان هناك فارق شاسع بين تمثيل لبنان الرسمي وتمثيل كّتابه، كما كان ملفتاً أيضاً غياب أيّ تنسيق بين الاثنين.
لبنان الرسمي كان يعرض صوراُ وكتباً أشبه بدعاية سياحية.. وغاب عن ندواته ونشاطاته أبناء بلده.
سؤال آخر طرأ على بالي حول ما يعكس هذا الشرخ الكبير بين القالب والمضمون؟ من الشارقة وصولاً إلى فرنسا، وقفت الشابة آلين لحود التي كانت تغنّي في مطاعم وحانات لبنانية (بكل احترام طبعاً) بحنجرتها المميّزة من دون أن تنال ربّما فرصة تليق بها. كيف تنال فنانة حقيقية التقدير بين مجموعة من المغنيّات اللّواتي يفتقرن الموهبة ويمتكلن “مميّزات” أخرى؟ وقفت لحّود أمام لجنة من المحترفين كيّلت لها المديح لتجترّ فجأة مديح الرأي العام اللبناني ووسائله الإعلامية.
لم يفكّر أحد أنّ لحّود التي تمتلك خلفية فنّية ممتازة وتغنّي بثماني لغات يجب ألا تكون في برنامج للمبتدئين ولو كان برنامجاً معروفاً. لم  ينتبه أحد إلى أنّ هذه الفنّانة يجب أن تكون في مكانٍ آخر كمحترفة في بلادها وعالمها العربي ليشكّل لها هو نافذة إلى العالمية.
لحّود قامت بخيارها على أمل أن يكون الأفضل لفنّها وشغفها بالغناء والموسيقى. ولكن حتّى ذلك الحين، هل سينتبه أحد إلى أنّ الشرخ بين نظامنا ومثقّفيه – المغمورين منهم والمعروفين – يحتاج إلى معالجة جدّيّة ومعمّقة؟ هل انتبه أحد إلى أنّ بعض المواهب القيّمة لا تجد من ينتج لها ألحانها؟ هل انتبه أحد كم هو مسيء للفنان أو الكاتب هذا الشرخ؟

السابق
حكومة الفضيحة المباركة: القتلة والعملاء الصهاينة
التالي
حزب الله لا يتدخل في سوريا.. بل يقرر مصيرها