حزب الله لا يتدخل في سوريا.. بل يقرر مصيرها

سوريا
لا أحد يريد التصريح علنا ان حزب الله لا يتدخل سوريا بل انّه يحسم سوريا واقليميا ودوليا مستقبل سوريا! اذا هو الفارق بين ما يسمى تدخل "محسوم" لحزب الله بمعنى انه واقع حاصل من جهة وتدخل "حاسم" للحزب بمعنى انه مصيري لتحديد مستقبل سوريا من جهة اخرى.

من القائل ان حزب الله يتدخل في النزاع السوري؟ هل قالها أمينه العام في خطاباته؟ أم أكدتها التقارير الاعلامية الاجنبية والعربية الخارجة من قلب المعارك في الاراضي السورية؟ أم ان اعداد القتلى والجرحى في صفوف مقاتلي الحزب الذين تنعيهم قيادتهم يوميا تؤكد الأمر؟! حتما لا أحد قال ذلك لأن ذلك ليس هو الواقع! وحتما ستستغرب الآن سماع ما يناقض كل المعلومات المؤكدة منذ اشهر عن تدخل الحزب في سوريا.
فالجميع في لبنان وسوريا وخارجهما يتحدث على مدار الساعة عن تدخل عسكري – أمني لحزب الله في القتال الى جانب النظام السوري ضد المعارضة المسلّحة ولكن لا أحد يريد التصريح علنا ان حزب الله لا يتدخل سوريا بل انّه يحسم سوريا واقليميا ودوليا مستقبل سوريا! اذا هو الفارق بين ما يسمى تدخل “محسوم” لحزب الله بمعنى انه واقع حاصل من جهة وتدخل “حاسم” للحزب بمعنى انه مصيري لتحديد مستقبل سوريا من جهة اخرى.
هي ليست لعبة الموت فحسب تلك التي يخوضها حزب الله بعناصره المقاتلة ضد معارضة مسلّحة أولا وبجمهوره المتحمّس لانتصار ميداني جديد لسيّدهم المحبوب ثانيا وبأمن لبنان المهزوز ثالثا وبحكومة مفقودة لوطن منقسم رابعا وصولا الى مفاوضات حتمية لأزمة دموية سورية طويلة خامسا… بل هي لعبة المصطلحات اللغوية التي تحدّد بدّقة موقع القوّة الذي يتمتع به نظام الاسد عسكريا وأمنيا مقابل المعارضة.
فقبل ان يدخل حزب الله الى الوحل السوري الدموي ميدانيا برجاله وسلاحه كان يصعب على الجيش السوري ان يحتفظ لأيام عدّة متتالية بأي منطقة بعد ان ينجح في السيطرة عليها واستعادتعا من يد الجيش السوري الحر،ّ بينما تغيّر المشهد كليا عندما دخل مقاتلو حزب الله المعركة الى جانب الجيش السوري وهذه كانت أولى خطوات الحسم الذي حققه حزب الله سوريا.
أما اليوم فقد أصبحت أغلب مقالات الرأي لاسماء خبراء اجانب في شؤون الشرق الاوسط والمنشورة في دوريات ومواقع اجنبية معروفة تؤكد ان من اسباب عدم سقوط الاسد عن طريق الخيار العسكري ضده هو صمود الجيش السوري دون انشقاقات مهّمة تذكر لا من حيث عدد المنشقين ولا من حيث رتبة الجنود المنشقين. وهذا الواقع خدم صورة الاسد ونظامه اعلاميا وخدم موقع الاسد وحزبه ونظامه ومؤيديه في الداخل والخارج تفاوضيا ايضا.
هذه الصورة ما كانت لتتالق اعلاميا وتستمر متوهجة بعد اكثر من سنتين من عمر النزاع ما لم يكن جزءا كبيرا من وحدات الجيش السوري لم تخرج اصلا من ثكناتها حتى هذه اللحظة للقتال في شوارع وساحات المدن التي تشهد اشدّ المعارك. والفضل في ذلك يعود اولا واخيرا الى الوجود القوي لعناصر حزب الله في المعركة مقابل المعارضة.
فقبل دخول الحزب رسميا الى ارض المعركة السورية كان الحديث عن انشقاقات في صفوف الجيش السوري يتعالى يوما بعد يوم في الاعلام. لكن تراجع الأخبار المتداولة عن حالات كهذه لا يعود سببه الى ان اعداد المنشقين تضاءلت لانهم كانوا يظنون في البداية ان الثورة وطنية سلمية ثم سرعان ما اكتشفوا وجهها القبيح مع أمثال داعش والنصرة.. بل لأن منع الجيش، خصوصا ألويته غير العلوية، عن الخروج الى ميدان القتال ساعد بالحفاظ على وحدة صفوف الجيش. وليس سرّا ان حزب الله يحقق انتصارات كبيرة بوجه المعارضة المسلحة المتطرفة وغير المتطرفة منها. بل اصبح هذا الكلام أكثر من “عادي”، لكن انعكاس هذا الانتصار يحصده النظام السوري بشكل قوة سياسية في الداخل وتحصده ايران وروسيا تفاوضيا في صفقات المجتمع الدولي أما حزب الله فيحصده حربا خبيثة معلنة ضد مناطق سكنية وتجارية محسوبة على الشيعة.
هذه الحرب على ما سمي اصطلاحا “البيئة الحاضنة” لتدخل حزب الله في سوريا ما كانت لتكون فوق لبنان لو انّ من يحاربهم الحزب في سوريا قادرون فعلا على مواجهته داخل سوريا.
في النهاية صحيح ان معركة الحزب في سوريا، التي قرّر تسميتها “حرب مصير ضدّ التكفيريين والمتطرفين الاسلاميين”، إلا أنها، وان كانت ضد النصرة وداعش واخواتهم والذين يحاربهم حتى الجيش السوري الحرّ نفسه، فهذا لا يمنع ان حزب الله في مواجهة ضمنا مع الجيش السوريّ الحرّ نفسه  ولذلك فالحزب اليوم هو السند للأسد وهو البديل عن ألوية في الجيش السوري لم تتحرك بعد لدعم الأسد ولن تتحرك.

السابق
لبنان ومثقّفوه وفنانوه والشرخ العميق
التالي
كيف أن حزب الله وداعش وجهان لعملة واحدة؟