رسالة إلى حزب الله: معارضوك الشيعة ضمانتُك وحمايتُك

لطالما حملت الأحلام الكبيرة الخيبات الأكبر. لطالما كان الباحث عن إكسير الخلود معرّضا للموت أكثر من القانع بالمكتوب. ولطالما كان الحالم الثائر عرضة للهزيمة المدوّية. واليوم يكتشف حزب الله أنّ "صفاء الضاحية" و"السيطرة المطلقة على الطائفة الشيعية" هما مقتله الأوّل. هنا مجموعة نصائح بالعودة إلى "التنوّع"، لأنّه الضمانة الوحيدة لأهل الضاحية وسكّانها.

يعرف كثيرون أنّ ضاحية بيروت الجنوبية، قبل الحرب الأهلية في العام 1975 كانت تسكنها أقليّات سنّية ودرزية وشيعية وأكثرية، نسبيا، مسيحية. كانت تشبه عرمون وبشامون اللتين تعجّان بالإختلاط السنّي الشيعي الدرزي، لكن بلا مسيحيين.

كانت ضاحية بيروت صورة عن بيروت نفسها. مذاهب وعائلات ونازحين، فقراء هنا وأغنياء هناك. لكنّ النزوح الداخلي من البقاع والجنوب جعل الضاحية ملجأ لأكثرية شيعية، في السبعينات والثمانينات. وحفلت الثمانينات والتسعينات بطفرة بناء شجّعت عليها القوى الشيعية لجعلها “دشمة” شيعية على طرف بيروت. وفي نهاية التسعينات، بدءًا من عدوان نيسان 1996 وصولا إلى تحرير الجنوب والبقاع الغربي في العام 2000، وعدم عودة سكّان هاتين المنطقتين إليهما بعد التحرير، بدأت الضاحية تكوّن شخصية “مدينة” إلى جانب مدينة بيروت. على وزن “دولة في الدولة”. وبلا طول سيرة، فإنّ 8 آذار 2005 جعل الضاحية مساويا سياسيا وشعبيا لبيروت، بتنوّعها وكثرة أهلها، ومنهم الشيعة. و7 أيّار 2008 جعل الضاحية “أقوى” من بيروت. وبدت بيروت ضاحية الضاحية، أمنيا وسياسيا، منذ ذلك التاريخ.

منذ السبعينات وصولا إلى 2014، عفويا حينا وبقصد وتخطيط أحيانا، تحوّلت الضاحية شيئا فشيئا إلى “قلعة شيعية”، يسكن فيها بعض السنّة ويكاد الوجود المسيحي واالدرزي يكون معدوما فيها. وهجرها آلاف الشيعة المعترضين على حزب الله، طوعا أو قسرا. لكن بقي فيها الآلاف غيرهم ممن يعارضون حزب الله في السياسة والمعتقد والحياة اليومية. وليس أدلّ على ذلك من أنّ الضاحية يحيط بها من الجهات الأربعة زنّار من متاجر بيع المشروبات الكحولية، التي تعتاش من عشرات آلاف شاربي الحكول من الشيعة تحديدا، بشهادة البائعين والشارين. وهناك الآلاف ممن لا يشربون الكحول ويصلّون ويصومون وهم ضدّ سياسات “حزب الله”. وهناك عشرات الآلاف ممن يزورون الضاحية بقصد التجارة والزيارة والتسوّق، ممن هم ضدّ خيارات “حزب الله”.

في الأشهر الأخيرة بدأت موجة تفجير سيارات مفخّخة وتفخيخ إنتحاريين لضرب “الضاحية وأهلها”، في عقاب واضح موجّه ضدّ “حزب الله” وخياراته السياسية وتدخّله العسكري في قمع الثورة السورية وفي الحرب الأهلية التي تطورت إليها تلك الثورة في سوريا.

كان لافتا، ومحيّرا في “منطق الإنتحاريين”، مقتل أشخاص ينتمون إلى المذهب السنّي، بعضهم من بيروت، كلّما استهدفت الضاحية بسيارة مفخّخة أو بانتحاريّ مفخّخ. وكان لافتا رسالة تداولها أهل الضاحية في الساعات الأخيرة تدعو “أهل السنّة إلى ترك الضاحية حفاظا على أرواحهم لأنّ الإستشهاديين سينتقمون من الشيعة”.

هنا لا بدّ من مقارنة. فإذا كان برشلونة يستهدف الهجوم عن جهة اليسار حين يلعب مع ريال مدريد لأنّ الدفاع ضعيف إلى جهة اليسار، فإنّ ذلك لا يصحّ بالضرورة مع يوفنتوس أو بايرن ميونيخ. عليه أن يغيّر الخطّة كلما تغيّر الخصم.

واستطرادا، فإنّ جعل الضاحية “قلعة شيعية” كان يصحّ قبل عدوان تموز 2006، الذي جعل “الضاحية تدفع الثمن”، دون تمييز بين سكّانها، وقبل عدوان 2013 – 2014 الإنتحاري، الذي اعتمد المنطق نفسه.

الخلل بات واضحا. لو كنت مكان العقل الإعلامي التابع لحزب الله لعملت على خطّين. الأوّل هو محو الدعاية بأنّ “الضاحية شيعية فقط”، وذلك من خلال إعادة إسكان سنّة ومسيحيين فيها. والثاني هو التدليل على أنّ في الضاحية سنّة بالدرجة الأولى، وكيف هي علاقة الضاحية بالسنّة، سكنا وتجارة وأهلا. أيضا التدليل على أنّ “جزءًا لابأس به من الشيعة ليسوا مع حزب الله”. وتحديدا من سكّان الضاحية. كنت سأدلّ إلى منازل المعترضين على “حزب الله” في الضاحية، وأعاملهم كجواهر غالية وعزيزة. كنت سأنقل، في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع والإلكتروني، شهادات متضرّرين من التفجيرات، شيعة وسنّة، ممن هم “مع الثورة السورية”. أو ممن هم “مع 14 آذار”، والذي هم “ضدّ سياسات حزب الله”. وذلك لفتح ثغرة في “منطق الإنتحاريين”. وللقول إنّ “استهداف الضاحية لا يختلف عن استهداف الطريق الجديدة”، حيث هناك “شيعة مع حزب الله وشيعة ضدّ حزب الله، وسنّة مع تيار المستقبل وسنّة ضدّ تيار المستقبل”.

ولو كنت مكان قيادات “حزب الله” لطلبت سحب مؤسسات الحزب العلنية من الضاحية ونقلها إلى أمكنة مجهولة، خارج لبنان ربما وليس فقط خارج الضاحية. هذه هي الضمانة الأمنية الممكنة في ظلّ الوضع الآني، حيث “حزب الله” يصرّ على عدم المسّ بإصراره على القتال في سوريا.

هذه هي الضمانة، أن تعود الضاحية لتذوب في بيروت، وتتوقف عن كونها “منطقة شيعية” يدفع أهلها ثمن مواقف بعضهم، أو معظمهم، ثمن وقوفه إلى جانب خيارات “حزب الله” التي ليس المقام هنا لمناقشتها.
والمعترضون الشيعة على “حزب الله”، المعلنون منهم والمستترون، يجب إعطاؤهم حريّة الحركة وطمأنتهم إلى حيوية دورهم في حماية الشيعة والضاحية والجنوب والبقاع هذه الأيام.

على “حزب الله” أن يذكّر بأنّه حصل على 80 في المئة من أصوات المقترعين الشيعة، الذين لم يتجاوزوا 60 في المئة من الناخبين الشيعة، وبالتالي فهو يمثّل، في أفضل الأحوال، 45 في المئة من الشيعة، والباقون إما لم يصوّتوا له لأسباب معيّنة، أو أنّهم لا يجاورنه في خياراته. وعليه، في أيّ انتخابات آتية، أن يفسح المجال لهؤلاء كي يتمثّلوا في الندوة البرلمانية، وأن يتمثّلوا في الحكومة العتيدة.

هؤلاء هم ضمانة “حزب الله” وبيئته وأهله. وهؤلاء هم الذين يمكن أن يحموا هذه البيئة في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الشرق الأوسط. والتنوّع كان دائما هو ضمانة لبنان. وكلّما خرجت منطقة، أو طائفة، أو حزب، على هذا التنوّع، كانت تدفع الثمن. والضاحية، أهلا وحزبا وطائفة، تدفع هذا الثمن اليوم. وربما يكون الحلّ بالعودة إلى التنوّع، لأنّه هو الميثاق الوحيد الذي قام عليه لبنان.

السابق
صحيفة ’معاريف‘ الاسرائيلية تحلّل في الوضع الامني لنصر الله
التالي
ايران: حكم بالسجن على ابنة رفسنجاني