بالتأكيد لم يكن اللواء في المخابرات السورية جامع جامع خليفة ممثل ألعاب الكاراتيه المشهور والمغفور له ”بروس لي”، ولا كان خريج أي مدرسة قتال يدوي ومصارعة حرة، ولكن كانت ”ضربة كفه بترن وبتخللي المعتقل اللبناني يحن”، أو أقله العدد الأكبر من المعتقلين اللبنانيين في سجون المخابرات السورية في بيروت. أولى مجازره اللبنانية في العام ١٩٨٧ كانت مجزرة فتح الله التي راح ضحيتها ٢٢ شاباً من ”حزب الله”، كما كان له العديد من المآثر في سجل ”الخلود” اللبناني.. مات جامع جامع برصاصة قناص في الرأس، ليبدأ اللبنانيون قصائد الشتم والمديح في حق واحد ممن ساهموا في تغيير الخارطة السياسية اللبنانية في نهاية الحرب الأهلية في القرن المنصرم.
ليس للواء جامع جامع محبين في لبنان، ولكن الخلاف السياسي المستحكم منذ العام ٢٠٠٥ بعد الانقسام العمودي بين مؤيدي سوريا ومستعديها، جعل الكثيرين من كارهيه السابقين يفتحون بيوت العزاء ”المتخيل” إكراماً له، فقد مات الرجل الذي كانت لقبضته الأمنية صدى لدى سكان بيروت وضواحيها، في مرحلة الخروج من الحرب الأهلية.
حربه ”البيروتية” الأولى بدأت في العام ١٩٨٥، فمع دخول المراقبين السوريين إلى بيروت قرر ”الرائد” جامع جامع أن يؤدب عناصر ”حزب الله” في ثكنة فتح الله في منطقة برج أبي حيدر ”شارع المأمون” بسبب ظهورهم بسلاحهم، كان قراراً سياسياً بالتأكيد لتحجيم ”حزب الله” في مرحلة ”الأزمة” الإيرانية – السورية التي تلتها معارك ”حركة أمل” و”حزب الله”. وصلت الدورية إلى ثكنة فتح الله أو موقف السيارت الذي بنته بلدية بيروت بالقرب من منزل رئيس الحكومة السابق شفيق الوزان.. نزل عناصر المخابرات السورية، صرخ ”جامع” بالحارس الظاهر على مدخل ”الثكنة” طالباً إليه التقدم منه وتسليمه سلاحه. في تلك اللحظة لم يعلم جامع جامع ما حصل، فجأة حاصره مع عناصره العشرات من مقاتلي ”الحزب” المستنفرين حول مبنى ثكنتهم وجردوه وعناصره من أسلحتهم وأحرقوا سياراتهم الستة (بيجو ستايشن بيضاء اللون).
يومها، حكى أهل المنطقة الكثير عن ”التأديب” الذي تلقاه جامع ومرافقيه. ولكن ما رآه الناس بعد إخراج ”جامع” من ”الثكنة” جعل الرعب يدب في أوصالهم، فالضابط الثلاثيني لم يكن أبيض الشعر والشاربين يومها، حيث قرر ”الحاج” المسؤول عن ”الثكنة” أن يبقي الحادث ذكرى أبدية في ذاكرة ”جامع”. حلق له شاربه الأيمن وحاجبه الأيسر، واستعرضه أمام الناس في شارع ”المأمون” ليشهدوا مذلة ضابط المخابرات السورية الذي أراد تأديب ”حزب الله”.
لم يمر الزمن طويلاً ليعود ”جامع” في شباط ١٩٨٧ مع دخول الجيش السوري معززاً بدباباته بعد معارك ”أمل” و ”الحزب الشيوعي”. وصل إلى ”الثكنة” الخالية. بدأ بجمع الشبان المتواجدين عند مداخل الأبنية، كانوا ينتمون إلى ”حزب الله” ويتابعون التحركات السورية وبالمصادفة كان يمر شاب ينتمي إلى حركة أمل من آل مهدي من بلدة خرطوم الجنوبية، أوقف ”جامع” الشبان في مدخل أحد الأبنية وبدأ مع مرافقيه برميهم بالرصاص.. قتل الجميع باستثناء واحد روى القصة بعد اسبوعين في صحيفة ”العهد” التابعة لـ ”حزب الله”.
افتتح ”جامع” عامه البيروتي الجديد في موقع مقابل ”سينما الكواكب” بالقرب من المحكمة ”الجعفرية”، هناك عرف الناس قدراته ”التأديبية” هو وحراسه ومرافقيه.. كما أنه تحول بسبب من جيرته لـ”المحكمة” حلّالاً لمشاكل المتزوجين والمطلقين. تنقلب الأيام ويتحول سريعاً إلى حلال مشاكل على صعيد أوسع في شوارع بيروت، اشتباك من هنا أو ضربة كف من هناك، وصولاً إلى رصاصة يتلقاها في ”حي اللجا” أثناء حله لإشكال بين عناصر من ”أمل” وعناصر من ”حزب الله”..
كان ”جامع” ابن ”شوارع” يؤدب أبناء الشوارع ومسؤولي الأحزاب السياسية الصغار وكذلك العابرين على حواجزه من مواطنين، ولكنه في تلك الفترة لم يكن مسموحاً له الاختلاط بالسياسيين اللبنانيين أبداً، فالسياسة متروكة لغازي كنعان وفريقه وبعده رستم غزالي. اختص ”جامع” بتأديب الناس وتربيتهم في الوقت الذي كان ”كنعان” يقوم بتحضير غزالي ليكون خليفته من خلال تعليمه تأديب السياسيين اللبنانيين من دون استثناء.
بعد الطائف كان مسؤولاً عن موكب مرافقة الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض، ولـ ”المصادفة” فهو لم يكن موجوداً لحظة الانفجار، بل حضر بعدها ورتّب إزالة الجثث والأنقاض واعتقال العابرين للتحقيق معهم.
زادت رتب جامع جامع في بيروت وانتقل من برج أبي حيدر إلى شارع الحمرا حيث صار بإمكانه تلقي ”الهدايا” والاهتمام بـ”الخوة” التي فرضها على عدد من المؤسسات المالية. كان سوبر ماركت ”سميث” يشهد على أنواع الطعام التي يطلبها ”العقيد” مجاناً لزواره اللبنانيين، فقد رأت مجموعة من ”طالبي” المناصب السياسية في ”جامع” قائداً مستقبلياً للمخابرات السورية في لبنان، أي ”حاكماً سامياً”، ولذلك تحول هؤلاء إلى زوار يوميين وبعدها إلى مستشاريه في التحضير لقيادة الملف اللبناني.
عهده في شارع الحمرا لم يكن هيناً، ففي فترة حكمه خطف المسؤول الطلابي في القوات اللبنانية رمزي عيراني من شارع عبد العزيز، ورميت جثته بعد اسبوعين داخل سيارته على مسافة وسطية بين مركز ”جامع” والمركز الرئيسي للحزب السوري القومي الاجتماعي في رأس بيروت.
بعد ترفيع رستم غزالة إلى المنصب السوري الأول في لبنان وترحيل غازي كنعان إلى سوريا، صار بإمكان ”جامع” ومعه ”مستشاريه” اللبنانيين التعاطي أكثر في الملف السياسي وذلك بعد العام ٢٠٠٣، صار الرجل يعرف من أين تؤكل الكتف ويعرف كيف يستدعي السياسيين المقربين للنظام ويطلب منهم فتح مواجهات مع سياسيي المعارضة، وخصوصاً المعارضين الجدد الذين نقلوا ”البارودة” في العام ٢٠٠٠ بعد ”بيان” المطارنة الموارنة والانقلاب الأول لوليد جنبلاط على السوريين.
انتقل ”جامع” إلى مقر المخابرات السورية المعروف باسم ”البوريفاج”، وصار يرسل الناس إلى ضابط التعذيب ”النبي” يوسف للتحقيق معهم.. رحل في العام ٢٠٠٥ من بيروت تاركاً خلفه أعداء كثرا تحول بعضهم إلى محبين ومخلصين ولو بعد مجازره فيهم. مات جامع جامع تاركاً خلفه مئات القصص التي لم تكشف ولم يعرفها الناس أو اللبنانيون تحديداً.