طهران وواشنطن: أسرار المحادثات

– I –
كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في بيروت، أن واشنطن طلبت من طهران عبر وسطاء عُمانيين وسويسريين وروس أن تجري معظم المحادثات المقبلة بينما في إطار من السرية التامة.
وعلى رغم أن المصادر قالت أنها لم تعرف رد فعل الإيرانيين على هذا الاقتراح، إلا أنها قالت أن هذه الخطوة ضرورية لتسهيل التوصل إلى “رؤوس أقلام اتفاق” بين الطرفين حول خريطة طريق المفاوضات وتحديد الهدف الذي يراد الوصول إليه، من دون السماح للعوامل الداخلية في إيران والولايات المتحدة بالتأثير على مجريات الأمور بينهما.
وأعربت المصادر عن ثقتها بأن المفاوضات المقبلة، سواء منها السرية أو تلك التي ستجري الأسبوع المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف مع مجموعة الدول الخمسة + واحد، لها حظوظ معقولة للنجاح للأسباب التالية:
– الضائقة الاقتصادية الكبرى التي تمر بها إيران هذه الأيام بسبب العقوبات الدولية والغربية، حيث انخفضت قيمة الريال بأكثر من 60 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية وارتفعت معدلات البطالة والتضخم إلى مستويات شاهقة. وهذا في الأساس ، برأي المصادرـ مادفع مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي إلى لجم الحرس الثوري الإيراني عن التدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (كما فعل العام 2009)، وإلى الافصاح علناً للمرة الأولى (في 16 أيلول الحالي) عن استعداده لابداء المرونة في المفاوضات النووية مع إيران.
– ويقابل هذا التغيير في الموقف الإيراني تغيير موازٍ في الموقف الأميركي، حيث أثبتت إدارة أوباما طيلة السنوات الخمس الأخيرة أن أولاياتها القصوى تكمن في إصلاح البيت الداخلي الأميركي وفي الاستدارة شرقاً نحو شرق آسيا. وهذا ماجعلها تتخذ مواقف انسحابية من كل قضايا الشرق الأوسط تقريبا، من مصر والعراق وتونس إلى سورية مؤخرا. كنا أن هذا ما جعل القيادة الإيرانية تشعر بشيء من الطمأنينة بأن واشنطن ربما لم تعد تسعى إلى تغيير النظام الإيراني.
– وأخيراً، يشير تعدد الأطراف الدولية المستعدة للعمل كوسيط بين طهران وواشنطن، من عُمان( التي نقل سلطانها مؤخراً رسالة خطية من الرئيس أوباما إلى الرئيس روحاني وعاد ومعه جواباً عليها) وسويسرا التي ترعى المصالح الأميركية في إيران وتستعد للعب دور كبير لاحقاً كساعي بريد بين البلدين، والعراق، وصولاً إلى روسيا، إلى أن المجتمع الدولي يشعر بالفعل أن العلاقات مع إيران يمكن أن تدخل بالفعل مرحلة جديدة مفتوحة نسبياً على احتمالات التسوية.
– II –

نقطة الانطلاق في المفاوضات الإيرانية- الأميركية ستبدأ من الاتفاق الروسي – الأميركي على الملف النووي الكيميائي، حيث ستكون فرص الاتفاق كبيرة بين الطرفين، وربما أيضاً حول التسوية السياسية في سورية. لماذا؟ تجيب المصادر: لأن شعور الإيرانيين إزاء الأسلحة الكيميائية يشبه شعور اليابانيين إزاء الأسلحة النووية. فهم خسروا أكثر من 100 ألف ضحية أو إصابة بها على يد صدام حسين. كما أن اقتصادهم أرهق بشدة من جراء دعم نظام الرئيس بشار الأسد على كل الصعد المالية والأمنية. وهذا ماقد يجعل الاتفاق مع واشنطن ممكن حول كلٍ من الأسلحة الكيميائية السورية ونظام مابعد الأسد.
ويتوقع أن تطرح واشنطن أيضاً على الإيرانيين فصلاً جديداً من التعاون بين الطرفين ضد الإرهاب والأطراف السنّية المتطرفة، كما حدث بينهما حين تعاونا في حربي أفغانستان والعراق ضد خصوم مشتركين.
بيد أنه يعتقد أن عقدة المنشار في المفاوضات ستكون الثمن الذي يريده المفاوضون الإيرانيون مقابل استعدادهم لعدم تجاوز نسبة الـ20 في المئة من عملية تخصيب اليورانيوم. إذ أنهم يسعون إلى إجراءات جدية من الغرب ليس فقط إلى خفض العقوبات الاقتصادية عنهم، بل حتى أيضاً إلى مساعدة الاقتصاد الإيراني على تجاوز عتبة الانهيار التي يقف أمامها الآن. وهذا أمر لن يكون من السهل على الولايات المتحدة القبول به إلا من خلال “صفقة كبرى” يتم خلالها التأكد من أمرين إثنين:
الأول، أن إيران ستغلق فعلياً ملف التسلُّح النووي، وستشرع كل أبوابها أمام التفتيش الدولي على منشآتها النووية.
والثاني، أن الولايات المتحدة تريد أن تطمئن إلى أن التحولات في المواقف الإيرانية، من التصعيد والمجابهة إبان عهد الرئيس أحمدي نجاد إلى الليونة والتسويات في عهد روحاني، سيشمل أيضاً إسرائيل.
وهنا تتوقع المصادر أن يمر الرئيس روحاني مرور الكرام أمام مسألة إسرائيل في خطابه المرتقب أمام الجمعية العامة، وأن يكتفي بما كان يردده الرئيس السابق خاتمي من أن إيران تلتزم بما يقرره الشعب الفلسطيني.

السابق
تعمير عين الحلوة (2): كيف صارت المنطقة خارج الزمن؟
التالي
حبيش: فاذا اردنا الذهاب الى طاولة الحوار فما هو دور الرئيس