ذكرى جمّول 1: المسدّس مازال مع جمال

جبهة المقاومة اللبنانية
عاد "جمال" بذاكرته اعواما عديدة إلى الوراء، وتحديداً إلى الأيام التي تلت نداء 16/09/1982. وأخذ يستعرض الأحداث الأهم في تلك الأيام، المجيدة والأليمة في آن، كأنها شريط سينمائي.

من بيروت بدأت المقاومة الوطنية اللبنانية. من هذه المدينة التي كانت خارجة وقتذاك من دمار مريع انتشر العمل العسكري المقاوم، وفيها، في منزل الشهيد كمال جنبلاط في المصيطبة، تمت كتابة البيان – النداء، في 16 أيلول 1982. بيان أعلن نشوء “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، وأذيع في 17/09/1982 غداة اقتحام قوات الغزو الاسرائيلي لبيروت. وبعد ساعات قليلة انطلق المقاومون لترجمته ميدانياً ونفذوا 13 عملية في مناطق : كورنيش المزرعة، الصنائع، طلعة شحادة، عائشة بكار، محطة أيوب، مقهى “الويمبي” في الحمراء، الرملة البيضا، مبنى الكونكورد، مستشفى غندو… واستمرّ سيل العمليات إلى أن أرغمت قوات الاحتلال على الانسحاب من بيروت بتاريخ 29/09/1982.

دشّن البيان مرحلة جديدة من المعركة المستمرّة مع إسرائيل والمشروع الصهيوني منذ مطلع القرن العشرين.

التقيت مناضلاً من بيروت، من أوائل الذين لبوا النداء التاريخي وانخرطوا في “جبهة المقاومة اللبنانية”، لم أره منذ أكثر من عشرين عاماً، وللوهلة الأولى لم أعرفه عندما رأيته، واقفاً عند مدحل مؤسسته التجارية. فقد صار بديناً، ولم يبق له إلا القليل من الشعر. استقبلني “جمال” بحرارة. عاد بذاكرته اعواما عديدة إلى الوراء، وتحديداً إلى الأيام التي تلت نداء 16/09/1982. وأخذ يستعرض الأحداث الأهم في تلك الأيام، المجيدة والأليمة في آن، كأنها شريط سينمائي، وبدأ حديثه من لحظة تبلغه قرار إطلاق جبهة المقاومة وتكليفه بتنفيذ عملياتها الأولى: “كنا في منطقة بربور وعلمنا من الاستطلاع أن آليات عسكرية اسرائيلية تتمركز قرب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية على كورنيش المزرعة، فانطلقنا أنا وفؤاد وأحمد باتجاه جسر الكولا، ومن مسافة 75 متراً من الموقع أطلقنا قذيفة آر.بي.جي (ب 7) باتجاه الدبابات المتواجدة أمام المبنى فأصيبت احداها، وفي تلك الليلة كان الاسرائيليون وعملاؤهم من اللبنانيين يرتكبون مجزرة العصر في صبرا وشاتيلا، وقد سمعنا أصوات القذائف والرصاص الناتجة عن مواجهات وعمليات ضد الاسرائيليين في أكثرمن منطقة”.

بعد تلك العملية، يضيف جمال: “توجهنا إلى منطقة المصيطبة، رصدنا آليات عسكرية عند مفترق طلعة شحادة، ومن مسافة 50 متراً أطلقنا قذيفة ب7 على ملالة فأصيبت مباشرة، وحصل اشتباك مع جنود الاحتلال الذين كانوا يعملون على محاصرتنا. لكننا نجحنا في الانسحاب إلى منطقة الصنائع، وتحت أشجار الحديقة خبأنا عدداً من القنابل اليدوية لاستخدامها لاحقاً. وبالفعل توجهت مساء 18 أيلول إلى حديقة الصنائع وأخذت قنبلة يدوية وكمنت قرب مستشفى غندور لدورية اسرائيلية وقذفت القنبلة باتجاهها ولذت بالفرار تجاه رمل الظريف”.

عملية الـ”ماغاروف”
“وقف الرفيق منتظراً، وخلال عجقة السير، تقدم من سيارة جيب بداخلها ضابط اسرائيلي وسدد رصاص مسدسه إلى صدره فأرداه، ولاذ الرفيق بالفرار إلى زاروب حمود حيث استقبله ناطور احدى البنايات وأخفاه ساعات عدة قبل أن يغادر تاركاً المسدس بعهدة الناطور”.

هكذا روى “جمال” وهو يبتسم ما حصل في عائشة بكار، حيث أعطى أحد المقاومين مسدس ماغاروف صغير وطلب منه الوقوف في منطقة عائشة بكار وتحيّن الفرصة لاصطياد جنود الاحتلال، على أن يلتقيه بعد العملية في مكان محدد في الزيدانية.

وماذا عن المسدس؟ يضحك جمال ويضيف :”بعد مرور سنة تقريباً، ذهب الرفيق إلى الناطور واستعاد المسدس، وتبين أن هذا الأخير كان قد قام بتنظيفه وأخفاه في مكان آمن، وقد أعاد لي الرفيق المسدس ولا أزال احتفظ به حتى اليوم للذكرى”.

خلال روايته عن العمليات الأولى، لا ينسى “جمال” الحديث عن الصعوبات الجمة التي واجهت العمل المقاوم في بداياته، ومنه يستطرد إلى الحديث عن العمليات التي حصلت في ضواحي بيروت بعد الانسحاب الاسرائيلي منها، ولا سيما في الشويفات في 16/11/1982، حيث قضى الشهيد الأول لجبهة المقاومة اللبنانية مهدي عكاوي ابن بيروت، الذي تبين لجمال عندما زار قبره بعد سنة على استشهاده أن اسمه الحقيقي هو مهدي مكاري وليس مكاوي.

ويتحدث جمال عن دوره في تهريب السلاح إلى المناطق التي كانت محتلة من الجيش الاسرائيلي والقوى اللبنانية المتعاملة معه بعد الانسحاب من بيروت: “”كلفت أحد الرفاق وإحدى الرفيقات بنقل السلاح إلى الجنوب، ونجحا في كل المهمات التي طلبتها منهما”. وهنا سألته اذا كان يلتقي بهما هذه الأيام؟، فأجاب: “الرفيق يعمل في إحدى المؤسسات ولا أراه إلا لماماً، أما الرفيقة فإني التقيها يومياً في البيت لأنها زوجتي”.

تفاصيل كثيرة لا زالت ذاكرة جمال تحفظها. وكأنها حصلت منذ أيام قليلة، إضافة إلى احتفاظه بمسدس الماغاروف، ما دفعني إلى السؤال: “لو عاد الاسرائيليون فهل تعود مقاومتهم؟”، وبدون تردد أجاب :”طبعاً ، إن خيار المقاومة ضد العدو الاسرائيلي راسخ في قناعاتنا، ولا يمكن أن نسقطه منها، ربما لا أستطيع القيام بما قمت به عام 1982، ولنني سأساهم بما أستطيع القيام به في الظروف الراهنة”.

السابق
تركيا: اسقطنا مروحيه سورية اخترقت الأجواء التركية
التالي
فابيوس: تقرير الأمم المتحدة يؤكد أن النظام السوري مسؤول عن استخدام «الكيماوي»